الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس والخطرات الرديئة التي تمرّ على قلب المسلم

السؤال

ما حكم من تاب، ولكن يخطر بقلبه مثل هذه الأشياء: لماذا هذا حرام؟ أو كيف يعاقبني الله لأني أشاهد مسلسلًا؟ وكيف يعاقبني بمعنى: كيف تكون شكل العقوبة؟ أو توقع استحالة وقوع العقوبة، أو سب الدين، أو لماذا الألفاظ البذيئة حرام؟ أو لماذا أشياء كثيرة في الدين تؤدي إلى الكفر؟ بمعنى أنه ليس معقولًا أن أكون كافرًا بسبب لفظ معين، أو ليت هذه الأحكام غير موجودة؛ حتى لا أكفر بالله، أو ليت الكفر بالله غير موجود، أو ليت هذا الحكم غير موجود، أو أنا أكره أن حكم الأغاني حرام، وأتمناها حلالًا؛ حتى لا أعصي الله.
أنا تبت، وأحاول قدر المستطاع أن أجاهدها، ولكن -للأسف- تأتي إلى قلبي، وأقرّ بها، وأكون راضيًا، فهل الله يحاسبني مع مجاهدتي لها، والرغبة في التخلص منها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الوساوس والخطرات الرديئة التي تمر على قلب المسلم، وهو يكرهها، وينفر منها: معفو عنها، ولا يؤاخذ بها، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم. متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال ابن القيم: ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوة على قطعها؛ فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة، أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. وفي لفظ: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. وفيه قولان:

أحدهما: أن رده وكراهيته صريح الإيمان.

والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبًا لمعارضة الإيمان، وإزالته به. اهـ. من الفوائد.

وقال ابن رجب: فهل يعاقب على ما همّ به من المعصية، أم لا؟ هذا على قسمين:

أحدهما: أن يكون الهمّ بالمعصية خاطرًا خطر، ولم يساكنه صاحبه، ولم يعقد قلبه عليه، بل كرهه، ونفر منه، فهو معفو عنه، وهو «كالوساوس الرديئة التي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: ذاك صريح الإيمان».

ولما نزل قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [البقرة:284]، شق ذلك على المسلمين، وظنوا دخول هذه الخواطر فيه، فنزلت الآية التي بعدها، وفيها قوله: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة:286]، فبينت أن ما لا طاقة لهم به، فهو غير مؤاخذ به، ولا مكلّف به، وقد سمى ابن عباس، وغيره ذلك نسخًا، ومرادهم أن هذه الآية أزالت الإبهام الواقع في النفوس من الآية الأولى، وبينت أن المراد بالآية الأولى العزائم المصمم عليها، ومثل هذا كان السلف يسمونه نسخًا. اهـ. من جامع العلوم والحكم.

وأنت لو لم تكن تكره تلك الوساوس، وتنفر عنها؛ لما استعظمتها، وسألت عنها.

فننصحك بالإعراض عن الوساوس، وترك التشاغل بها، وراجع في علاج الوسوسة الفتوى: 51601.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني