الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحق للأخ أن يعطي زوجة أخيه من المال المودَع عنده إذا كان لا يعطيها ما يكفي؟

السؤال

أخي الأكبر يبلغ من العمر 67 عاما، لديه أربعة أبناء؛ بنتان، وابنان، قد أنهوا جميعا مراحل التعليم، وتزوج منهم ثلاثة، ولا زال شاب يعيش معه، وقد أودع أخي معي مبلغا كبيرا من المال، نصيبه في الميراث؛ لأنه غير متعلم، ولا يستطيع التعامل مع البنوك، وكذلك يخشى الاحتفاظ بالمال في بيته خشية أن تطاله زوجته أو أحد أبنائه، وأخي يثق في شخصي ثقة عمياء؛ لدرجة أنه لا يهتم بحساب كم تم سحبه، وكم متبق معي حسابا دقيقا. وهو قد أعطى لأبنائه نصيبا من المال لا بأس به؛ ليستعينوا به على حياتهم، وأبقى الجزء الأكبر معي يأخذ منه هو كل فترة مبلغا زهيدا، تاركا الباقي لما تبقى له من العمر، وللصرف على بيته.
الآن تشكو زوجته أنه لا يعطيها المصروف الكافي لمتطلبات المعيشة من الأكل، والشرب، والكساء، والدواء. خاصة وأنها مريضة، وتحتاج لعلاجات من وقت لآخر بمبالغ كبيرة. وبالفعل هي محقة في شكواها؛ لأنه يعطيها مبلغا زهيدا، لا يمكن أن يقوم عليه البيت في أيامنا هذه، ونستطيع القول بأنه بضعف هذا المبلغ يمكن لأسرة من ثلاثة أشخاص مثلهم العيش بالكاد. وقد تساعد بعض معونات بسيطة من الأبناء لاستكمال الشهر، ولكنهم غير متيسري الحال.
منذ أيام، ومع ازدياد الغلاء، وزوجة أخي تطالبنا كإخوة له بالتدخل، والتحدث معه لزيادة مصروف البيت، وأصبح هذا الأمر سببا لخلافات يومية بينهما، وتسبب في كره الأبناء لأبيهم، وأصبح يزداد بينهما الشجار، وتتعالى الأصوات، وقد كان تدخلنا نحن الإخوة للحديث معه بلا جدوى، فهو يعتقد بأن المصروف الضئيل يكفي.
السؤال هو: هل يجوز لي أن أعطي لزوجة أخي مبلغا شهريا كالذي تطلبه هي كزيادة (يعادل ربع ما يعطيها بالفعل) وذلك من ماله الذي بحوزتي وبأمانتي دون علمه؛ بغرض فض هذا الخلاف ومنعا للضرر؟ وهل أكون بذلك قد عملت بالرخصة التي رخصها النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند بنت عتبة في قصتها مع زوجها البخيل أبي سفيان؟ أم أكون قد تصرفت دون رغبته، وعلمه في الأمانة التي أمنني عليها، وأأثم على هذا الفعل؟
مع العلم بأنني ليس لي أي مصلحة، أو قصد من هذا التصرف، سوى إصلاح ذات البين، وتجنبا لضرر واقع لا محالة من تصاعد الخلاف بينهما، وازدياد بغض الأبناء لأبيهم، تعاطفا مع أمهم.
أعتذر للإطالة، وأرجو التكرم والتفضل بالجواب عاجلا؛ نظرا لتصاعد الخلافات يوما بعد يوم.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان الحال -كما ذكرت- من تقصير أخيك في النفقة على زوجته، وكان لا يعطيها ما يكفيها لطعامها وكسوتها وعلاجها بالمعروف؛ فهو آثم. وراجع الفتوى: 56114.

والواجب عليك أن تأمره بالإنفاق على زوجته بالمعروف، وإذا لم يفعل؛ فمن حقّ زوجته إذا قدرت له على مال أن تأخذ ما يكفيها بالمعروف، وإذا لم تقدر على ذلك؛ فلها رفع الأمر للقضاء.

وإذا كان كلّ ذلك متعذراً؛ فالظاهر –والله أعلم- أنّه يجوز لك إعطاء زوجة أخيك ما تحتاجه لنفقتها دون علم أخيك، بل ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب ذلك.

قال ابن حزم –رحمه الله- في المحلى: فمن ظفر بمثل ما ظلم فيه هو، أو مسلم، أو ذمي، فلم يزله عن يد الظالم، ويرد إلى المظلوم حقه، فهو أحد الظالمين، لم يعن على البر والتقوى، بل أعان على الإثم والعدوان. هذا أمر يعلم ضرورة، وكذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرا أن يغيره بيده ان استطاع. فمن قدر على كف الظلم، وقطعه، وإعطاء كل ذي حق حقه، فلم يفعل، فقد قدر على إنكار المنكر، فلم يفعل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني