الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المؤاخذة بسوء الظن القلبي

السؤال

هل سوء الظن القلبي فقط الذي يستقر في القلب، ولا يصحبه قول أو عمل، ذنب بين العبد وربه، أم إنه يحتاج إلى تحلل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمعفو عنه من حديث النفس هو ما يتردد فيها، ويَرِد عليها بغير اختيار، ما لم يستقرّ، ويستمرّ عليه صاحبه؛ لأنه لا اختيار له فيه، ولا انفكاك له عنه، بخلاف الهمّ والعزم المستقر في القلب، وكذلك كل أعمال القلوب يؤاخذ عليها في الخير والشر، كالحب، والبغض، والخوف، والرجاء، والتوكل، والحقد، والغلّ، والرياء، وسوء الظن.

ولا يخفى أن مجرد حديث النفس، لا يعد عملًا ما لم يعزم صاحبه على العمل به؛ وراجع في ذلك الفتاوى: 22623، 80476، 99569.

قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): هل يعاقب على ما همَّ به من المعصية، أم لا؟ هذا على قسمين:

ـ أحدهما: أن يكون الهمّ بالمعصية خاطرًا خطر، ولم يساكنه صاحبه، ولم يعقد قلبه عليه، بل كرهه، ونفر منه، فهو معفو عنه ...

ـ القسم الثاني: العزائم المصممة التي تقع في النفوس وتدوم، ويساكنها صاحبها، فهذا أيضًا نوعان:

ـ أحدهما: ما كان عملًا مستقلًّا بنفسه من أعمال القلوب، كالشك في الوحدانية، أو النبوة، أو البعث، أو غير ذلك من الكفر والنفاق، أو اعتقاد تكذيب ذلك، فهذا كله يعاقب عليه العبد، ويصير بذلك كافرًا ومنافقًا ... ويلحق بهذا القسم سائر المعاصي المتعلقة بالقلوب، كمحبة ما يبغضه الله، وبغض ما يحبه الله، والكبر، والعجب، والحسد، وسوء الظن بالمسلم من غير موجب ...

ـ والنوع الثاني: ما لم يكن من أعمال القلوب، بل كان من أعمال الجوارح، كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر، والقتل، والقذف، ونحو ذلك، إذا أصرّ العبد على إرادة ذلك، والعزم عليه، ولم يظهر له أثر في الخارج أصلًا. فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء ... اهـ.

وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقرّ، ومنه الظن والتهمة بالمسلم من غير بينة، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم.

ونصّ أهل العلم على أن الممنوع من الظن ما كان حكمًا على مسلم ظاهره الصلاح والاستقامة، حال كونه مجردًا عن أي دليل، أو قرينة؛ إذ هو من أمراض القلوب التي يجب على المسلم توقيها.

ومن هذا يعلم أن ترك الظن السيء يستقر بالقلب، وعدم علاجه، يؤاخذ عليه، وتراجع الفتوى: 237766 لعلاج سوء الظن.

أما حكم تحلل من ظن ظنًّا سيئًا، فلم نقف على من نصّ عليه من أهل العلم، وراجع بشأن ذلك الفتوى: 231601، والفتوى المحال عليها فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني