الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قول القاضي عياض في حكاية الكفر تفكُّهًا

السؤال

كنت شابًّا عمري 16 عامًا، وفهمي للدين قليل، فاتصل بي أصدقاء، وقاموا بحكاية قصة مسيئة لله ورسوله، ثم نقلتها لأحد أقاربي بعد أن استبرأت الله منها، وكنت أستغفر أثناء الحكاية، ولكن مع هذا كنت أضحك، وعند الانتهاء من الحكاية أصابني خوف أنني وقعت في عرض رسول الله، خصوصًا لما قرأت للقاضي: ناقل الكفر لغرض التفكّه كفر، ومن غير حاجة، أو هازلًا، أو لاعبًا، فهل كفرت بنقلها؟ وهل استهزأت بالله ورسوله؟ فهذا الأمر يؤنبني كثيرًا، حتى إن حياتي أصبحت مرّة، فلا أستطيع النوم، وأصبحت أرى نفسي كافرًا، لا تقبل له توبة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فظاهر من سؤالك أن نقلك للحكاية لم يكن على وجه الإقرار لها، ولا الاستخفاف واللامبالاة بما انطوت عليه الحكاية من كفر؛ بدليل استغفارك أثناء الحكاية، فهذا كله يؤكّد أن نقلك لها ليس بكفر، ومجرد الضحك العارض لا يدل على الإقرار، وراجع الفتويين: 308221، 222175.

وأما القاضي عياض فلم يقل بأن حكاية الكفر تفكُّهًا تعد كفرًا بإطلاق، بل له تفصيل في المسألة، فقد قال في كتابه الشفا في التعريف بحقوق المصطفى: وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين -يعني: الشهادة على القائل، أو الرد عليه-، فلا أرى لها مدخلًا في هذا الباب، فليس التفكّه بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتمضمض بسوء ذكره لأحد، لا ذاكرًا، ولا آثرًا لغير غرض شرعي بمباح. وأما للأغراض المتقدمة، فمتردد بين الإيجاب والاستحباب.

فأما ذكرها على غير هذا من حكاية سبه، والإزراء بمنصبه، على وجه الحكايات والأسمار والطرف، وأحاديث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمير، ومضاحك المجان، ونوادر السخفاء، والخوض في قيل وقال، وما لا يعني؛ فكل هذا ممنوع، وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض.

- فما كان من قائله الحاكي له على غير قصد، أو معرفة بمقدار ما حكاه، أو لم تكن عادته، أو لم يكن الكلام من البشاعة حيث هو، ولم يظهر على حاكيه استحسانه واستصوابه، زجر عن ذلك، ونهي عن العودة إليه، وإن قوّم ببعض الأدب، فهو مستوجب له.

- وإن كان لفظه من البشاعة حيث هو، كان الأدب أشد، وقد حكي أن رجلًا سأل مالكا عمن يقول: القرآن مخلوق. فقال مالك: كافر، فاقتلوه، فقال: إنما حكيته عن غيري، فقال مالك: إنما سمعناه منك، وهذا من مالك -رحمه الله- على طريق الزجر والتغليظ؛ بدليل أنه لم ينفذ قتله.

-وإن اتهم هذا الحاكي فيما حكاه أنه اختلقه، ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، أو ظهر استحسانه لذلك، أو كان مولعًا بمثله، والاستخفاف له، أو التحفظ لمثله، وطلبه ورواية أشعار هجوه -صلى الله عليه وسلم- وسبه. فحكم هذا حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا تنفعه نسبته إلى غيره، فيبادر بقتله، ويعجل إلى الهاوية أمه. اهـ.

وراجع في علاج الوسوسة الفتويين: 164015، 259459.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني