الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: لا حبس بعد سورة النساء

السؤال

قرأت هذا الحديث وما فهمت معناه: لَمّا نَزلَتْ سورةُ النِّساءِ، قال رسولُ اللهِ: لا حَبْسَ بعدَ سورةِ النِّساءِ. أريد شرحه لو سمحتم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج العقيلي في الضعفاء والطبراني في المعجم الكبير والدارقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى: من طريق عبد الله بن لهيعة، عن أخيه عيسى بن لهيعة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت سورة النساء قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا حبس بعد سورة النساء.

وضعفه العقيلي، وقال الدارقطني: لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه، وهما ضعيفان . ونقل كلامه البيهقي ثم قال: وهذا اللفظ إنما يعرف من قول شريح القاضي.

وقال ابن حزم في المحلى: هذا حديث موضوع، وابن لهيعة لا خير فيه، وأخوه مثله - وبيان وضعه: أن " سورة النساء " أو بعضها نزلت بعد أحد - يعني آية المواريث - وحبس الصحابة بعلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد خيبر وبعد نزول المواريث في " سورة النساء ". وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل. ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا باتصال الحبس بعلمه - عليه الصلاة والسلام - إلى أن مات. اهـ.

والمراد بالحبس هنا على المشهور: هو وقف المال، واحتج به العلماء القائلون بأن الوقف غير لازم، وحملوه على العموم، وأن وقف الأموال منسوخ بآيات الفرائض التي في سورة النساء.

قال الطحاوي: فأخبر ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الأحباس منهي عنها غير جائزة، وأنها قد كانت قبل نزول الفرائض بخلاف ما صارت عليه بعد نزول الفرائض، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار. اهـ. من شرح معاني الآثار.

وأما جمهور العلماء القائلون بمشروعية الوقف ولزومه فقد ضعفوا الحديث، ووجهوه -على فرض صحته- بأن المراد به الوقف الذي كان معهودا في الجاهلية، وأبطله الإسلام. أو أن المراد به حبس النساء في البيوت.

قال ابن رشد الجد في المقدمات الممهدات: وأما الحبس فاختلف أهل العلم في جوازه: فذهب مالك - رحمه الله - وجميع أصحابه وأكثر أهل العلم إلى إجازة الحبس، ومنع منه أبو حنيفة وأصحابه، واستدلوا لمذهبهم بما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حبس بعد سورة النساء»، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حبس عن فرائض الله - تعالى»، وبما روي عن شريح أنه قال: لما نزلت سورة - المائدة، جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بإطلاق الحبس، وهذا كله لا دليل فيه، ولا حجة، لأن الحبس الذي جاء محمد بإطلاقه، هو البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي الذي ذكره الله في كتابه، والدليل على ذلك: أنه المذكور في سورة المائدة، وهذا التأويل مروي عن مالك - رحمه الله -؛ وأما حديث ابن عباس فعنه جوابان: أحدهما: أن المراد به حبس الزاني البكر، وذلك أن الله عز وجل قال: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام» - الحديث. والجواب الثاني وهو المعتمد عليه - أن المراد بذلك منع البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحامي الذي كانت الجاهلية تفعله، إذ لا يعرف جاهلي حبس داره على ولده، أو في وجه من الوجوه المتقرب بها إلى الله تعالى .اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني