الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاعتكاف في مساجد البيوت... رؤية شرعية

السؤال

يكثر الحديث هذه الأيام عن صحة الاعتكاف في البيوت، ويستدل المجيزون بما يذكر عن أبي الأحوص صاحب ابن مسعود من اعتكافه في مسجد بيته، وبما رخص فيه بعض الأئمة من اعتكاف المرأة في مسجد بيتها.
فما هو مقصود الأئمة بمسجد البيت؟ وما الفرق بينه بين المسجد العادي؟ وهل هنالك ضوابط معينة لإطلاق هذا الوصف على المكان؟ وما هي الأحكام التي تتعلق به؟
نرجو تنويرنا بما أمكن من التفصيل. نور الله بصائرنا وبصائركم بنور الهدى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن عامة العلماء على أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد، وأنه لا يجوز الاعتكاف في البيوت، وحكى بعض العلماء الإجماع على هذا، كما سبق في الفتوى: 420247 . وانظر الفتوى: 78595.

وأما مساجد البيوت: فهي أماكن الصلاة فيها. وليس لها أحكام المساجد الموقوفة، فلا يصح الاعتكاف فيها، ولا يمنع الحائض والجنب من المكث فيها، والصلاة فيها ليس لها فضيلة الصلاة في المساجد.

وما جاء عن بعض السلف من الاعتكاف في مساجد البيوت مخالف لظواهر النصوص، ولما عليه عامة أهل العلم، فلا ينبغي التعويل عليه.

جاء في فتح الباري لابن رجب: مساجد البيوت، هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها.

وقد قدمنا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي في مسجد بيت ميمونة، وهي مضطجعة إلى جانبه، وهي حائض. وروى جعفر بن برقان، عن شداد مولى عياض بن عامر، عن بلال، أنه جاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصلاة، فوجده يتسحر في مسجد بيته. خرجه الإمام أحمد.

وروى محمد بن سعد: ابنا قبيصة: ابنا سفيان: عن أبيه، قال: أول من اتخذ مسجدا في بيته يصلي فيه عمار بن ياسر. وهذه المساجد لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد المسبلة، فلا يجب صيانتها عن نجاسة ولا جنابة ولا حيض. هذا مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء. ومنع إسحاق من جلوس الجنب فيها والحائض -: نقله عنه حرب.

وأجاز الاعتكاف فيها للمرأة خاصة طائفة من فقهاء الكوفيين، منهم: النخعي والثوري وأبو حنيفة. وعنه وعن الثوري: أن المرأة لا يصح اعتكافها في غير مسجد بيتها. وقول الأكثرين أصح.

وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن اعتكاف المرأة في مسجد بيتها؟ فقال: بدعة، وأبغض الأعمال إلى الله البدع، لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة. خرجه حرب الكرماني. وروى عمرو بن دينار، عن جابر، أنه سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد بيتها؟ قَالَ: لا يصلح، لتعتكف فِي مسجد؛ كما قال الله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] خرجه الأثرم. وجابر هذا يحتمل أنه جابر بن عبد الله الصحابي، ويحتمل أنه جابر بن زيد أبو الشعثاء التابعي.

واعتكف أبو الأحوص صاحب ابن مسعود في مسجد بيته. ورخص فيه الشعبي. وهؤلاء جعلوا مساجد البيوت حكمها حكم المساجد في الاعتكاف، ولو كان هذا صحيحا لاعتكف أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مساجد بيوتهن، وإنما كن يعتكفن في مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما إقامة الجماعة للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلة الصلاة في المساجد، وإنما حكم ذلك حكم من صلى في بيته جماعة وترك المسجد .اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني