الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المؤاخذة بالتلفظ بالكلام الكفري عند تعود اللسان

السؤال

عرفت أن بعض الألفاظ كفر بالله، وتبت من قولها، ونطقت الشهادة، ولكني ما زلت أنطقها بسبب تعود لساني، وأجاهد نفسي على تركها، فهل أكون كافرًا بنطقها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسال الله أن يتقبل توبتك، وأن يطهر لسانك وقلبك.

وأما مسألة تعود اللسان وتأثيرها على المؤاخذة بما يتلفظ به المرء من كلام كفري، فيقال فيها: العبرة إنما هي بقصد التلفظ بالكلام، فمتى قصد الشخص التلفظ، فهو مؤاخذ، ومتى جرى الكلام على لسان المرء دون أن يقصد التلفظ به، فهو غير مؤاخذ به، فقد سئل ابن عثيمين: إذا صدر من المسلم سب للدين ليس عامدًا، بل سبق لسان، ومن قبيل ما يسمى باللغو، فهل يؤاخذ على ذلك، أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)؟

فأجاب : من سب دين الإسلام، فهو كافر، سواء كان جادًّا أو مازحًا، أما شيء سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدِّين فقال كلمة سب بدون قصد بل سبقًا على اللسان، فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح، فإن هنا قصدًا وقع في قلبه، فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان، فإن هذا لا يضر؛ ولهذا ثبت في الصحيح في قصة الرجل الذي كان في فلاة، فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرة ينتظر الموت، فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح). فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصود له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام.

الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب، لكنه مازح غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسخرية.

المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه، فيتكلم بما يدل على السب دون قصد إطلاقًا، لا قصد الكلام، ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). اهـ. باختصار من فتاوى نور على الدرب.

وأما مجرد تعود اللسان على النطق بكلمة محرمة، فليس سببًا للعذر، وعدم المؤاخذة بها، وقد سئل ابن باز: هناك من يتلفظ بألفاظ فيها الاستعانة بالجن، والدعاء، أو الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، عندما ينبه يقول: اعتاد عليها لساني، فما الحكم في ذلك؟

الواجب عليه أن يحفظ لسانه عما حرم الله من فعل الكلام الرديء، لا من دعائه للجن، ولا من الحلف بغير الله، ولا بغير هذا من سائر الكلام المنكر، وليس له عذر بقوله: اعتاد لسانه، بل يحذر، ويحفظ لسانه عما حرم الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت»، والله يقول في كتابه العظيم: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. اهـ. من مجموع فتاواه.

فنوصيك بالتوبة إلى الله جل وعلا على كل حال، وأن تجتهد في تطهير لسانك، وأن تستشعر شدة خطر ما تتفوه به, وراجع الفتويين: 101367، 96419.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني