الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

السؤال

لدي سؤال فيما يتعلق بسورة آل عمران الآيه (80). هل إذا كان المقصود بها أهل الكتاب -وفد نصارى نجران- لماذا اختتم الله -عز وجل- الآيه بقوله تعالى: (أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)؟
هل أهل الكتاب مسلمون؟ وما صحة الأحاديث التي وردت في سبب نزول الآية؟ الأحاديث التي تقول إن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: أسجد لك؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المشهور في سبب نزول قوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:79-80}، هو نزولها في نصارى نجران.

فقد أخرج الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارَى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرِّبِّيس: أوَ ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا! أو كما قال. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: معاذَ الله أن نَعبُد غيرَ الله، أو نأمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني أو كما قال. فأنزل الله -عز وجل- في ذلك من قولهم: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة"، الآية إلى قوله: "بعد إذ أنتم مسلمون". اهـ

وأما وجه قوله تعالى: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:80}، والآية نازلة في النصارى، فالجواب أن المراد بوصفهم بالإسلام هنا هو استعدادهم للدخول في دين الإسلام. قال الطيبي في حاشيته على الكشاف: ويجوز أن يقال للنصرانيين رداً لقولهما: أتريد أن نعبدك (أَيَامُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ): منقادون مستعدون لقبول الدين الحق، إرخاء للعنان واستدراجاً. اهـ.

وأما أهل الكتاب اليهود والنصارى، فلم يأت في القرآن الكريم وصف بأنهم مسلمون حقيقة.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقيل الخطاب للمسلمين بناء على ظاهر قوله: إذ أنتم مسلمون؛ لأن اليهود والنصارى لم يوصفوا بأنهم مسلمون في القرآن، فهذا الذي جرأ من قالوا: إن الآية نزلت لقول رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا نسجد لك» ، ولا أراه- لو كان صحيحا- أن تكون الآية قاصدة إياه؛ لأنه لو أريد ذلك لقيل: ثم يأمر الناس بالسجود إليه .اهـ.

وأما سبب النزول الذي سألت عن صحته: فقد روي مرسلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسل من أنواع الحديث الضعيف.

فقد أخرجه عبد بن حميد -كما عزاه إليه ابن حجر في (العجاب في بيان الأسباب) والسيوطي في (الدر المنثور): عن روح عن عوف عن الحسن: بلغني أن رجلًا قال: يا رسول الله: نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: "لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله"، فأنزل الله عز وجل هذه الآية إلى قوله: {بِأَنَّا مُسْلِمُون} .

قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف: غَرِيب .اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني