الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أساليب المجاز في القرآن الكريم ليست من الإخبار بخلاف الواقع

السؤال

هل يمكن أن يقول الله عز وجل كلامًا غير مطابق للواقع من باب الاستهزاء، كما فعل إبراهيم -عليه السلام- عندما قال: (بل فعله كبيرهم هذا)، فنحن نعلم أن الله يستعمل في كلامه المجاز، وغير ذلك، فهل مثل هذه الصيغ يستعملها الله عز وجل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما كتبته -أيتها الأخت- في سؤالك لا يخلو من شناعة وبشاعة، وإساءة للأدب في حق الله سبحانه، فشأن الله تعالى عظيم، فهو الذي خلقنا، ورزقنا، وعلمنا، وأدبنا، ونحن عبيده، فليس لنا إلا الامتثال له، والتسليم والرضا بكلامه وأفعاله، وقد قال سبحانه وتعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

وعلى كل حال؛ فإن من البديهي الذي لا يشك فيه عاقل أن ربنا جل وعز يمتنع أن يصدر منه خلاف الواقع.

وأما وقوع المجاز في القرآن الكريم: فهي مسألة مشهورة، اختلف فيها العلماء، وعامتهم على أن المجاز واقع في القرآن الكريم، كما بيناه الفتويين: 16870، 128543.

وأساليب المجاز -من التهكم، أو التعريض، أو غيرها-، ليست من الكذب الذي هو الإخبار بخلاف الواقع.

وأما قوله سبحانه على لسان إبراهيم: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ {الأنبياء:63}، فهو في حقيقته ليس كذبًا، وإن كان مشابهًا للكذب في الصورة والظاهر؛ وبهذا الاعتبار سُمِّي كذبًا في بعض الأحاديث، قال ابن القيم: لا نسلم أنه يحسن الكذب، فضلًا عن أن يجب، بل لا يكون الكذب إلا قبيحًا، وأما الذي يحسن فالتعريض، والتورية، كما وردت به السنة النبوية، كما عرض إبراهيم للملك الظالم بقوله: "هذه أختي" لزوجته، وكما قال: "إني سقيم"، فعرض بأنه سقيم قلبه من شركهم، أو سيسقم يومًا ما، وكما فعل في قوله: {قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} [الأنبياء: 63]، فإن الخبر والطلب كلاهما معلق بالشرط، والشرط متصل بهما، ومع هذا فسماها - صلى الله عليه وسلم - ثلاث كذبات، وامتنع بها من مقام الشفاعة، فكيف تصح دعواكم أن الكذب يجب، إذا تضمن عصمة مسلم مع ذلك؟!

فإن قيل: كيف سماها إبراهيم كذبات، وهي تورية، وتعريض صحيح؟!

لم أجد في هذا المقام للناس جوابًا شافيًا يسكن القلب إليه، وقد فتح الله الكريم بالجواب عنه، فنقول:

الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم وقصده وإرادته، ونسبة إلى السامع وإفهام المتكلم إياه مضمونه.

- فإذا أخبر المتكلم بخبر مطابق للواقع، وقصد إفهام المخاطب إياه، صدق بالنسبتين؛ فإن المتكلم إن قصد الواقع، وقصد إفهام المخاطب، فهو صدق من الجهتين.

- وإن قصد خلاف الواقع، وقصد مع ذلك إفهام المخاطب خلاف ما قصد، بل معنى ثالثًا لا هو الواقع، ولا هو المراد، فهو كذب من الجهتين بالنسبتين معًا.

- وإن قصد معنى مطابقًا صحيحًا، وقصد مع ذلك التعمية على المخاطب، وإفهام خلاف مما قصده، فهو صدق بالنسبة إلى قصده، كذب بالنسبة إلى إفهامه.

ومن هذا الباب التورية، والمعاريض؛ وبهذا أطلق عليها إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - اسم الكذب، مع أنه الصادق في خبره، ولم يخبر إلا صدقًا، فتأمل هذا الموضع الذي أشكل على الناس. اهـ. من مفتاح دار السعادة. وانظري الفتوى: 98038.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني