الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى العفو عن النجاسات التي يعسر التحرز منها عند المالكية

السؤال

أنا شاب أعاني من نزول قطرة أو قطرات من البول -بغير إرادتي- بعد التبول والخروج من الحمام بقليل، وهذا يحدث لي بعد كل تبول، ثم تنقطع، رغم أنني أبذل وسعي في الاستبراء عن طريق الضغط، والنتر، والسلت، كما نصحني الأطباء، ورغم أنني حاولت معالجة ذلك عند الأطباء عدة مرات، لكن دون جدوى، وبعضهم أخبرني أن حالتي لا يمكن علاجها -كأنه عيب خلقي-، وأنا أستعمل المناديل الورقية في الاستنجاء بدلًا من الماء؛ حتى لا ينتشر البول في ثوبي، وبدني.
جربت التحفّظ وتطهير الموضع من الثوب والبدن في كل مرة، ولكن ذلك سبب لي حرجًا كبيرًا، فأصبحت آخذ بمذهب المالكية القائلين بالعفو عما ينزل بغير إرادة، ولو مرة في اليوم، وبعدم وجوب التحفظ بخرقة، أو نحوها، لكن الأمر الذي يؤرقني، وأجد فيه مشقة عظيمة، بل وبلغ بي الأمر بسببه إلى الوسواس، هو ما يترتب على ذلك العفو من انتشار البول، ويمكن أن ألخص ذلك فيما يلي:
قد يصيب رأس ذكري موضعًا مبتلًّا من بدني أو ثوبي، فهل يحكم بانتقال النجاسة إلى ذلك الموضع، فيجب غسله مع ما في ذلك من مشقة عظيمة؟ وكذا إذا كان بدني مبللًا من أثر الاغتسال أو العرق مثلًا، ثم لبست الثوب الذي كنت ألبسه من قبل -والذي فيه شيء من أثر ذلك البول- فهل يحكم على بدني بالتنجس؟ وقد يعرق رأس ذكري، ثم يظهر أثر ذلك العرق على ثوبي من الخارج، أو على المكان الذي أجلس عليه، فهل هذا يضر؟
والمقصود: ما معنى العفو المذكور في مذهب المالكية؟ وهل ذلك يعني اعتبار البول كأنه شيء طاهر -وهنا لا إشكال عندي-، أم إنه نجس كما هو الأصل -وهنا تظهر إشكالية انتقال النجاسة كما قدمت، والتي لا يكاد المصاب يسلم منها-؟
وهذه المشكلة سببت لي حرجًا عظيمًا، ووساوس لا يعلمها إلا الله، وأريد أن أعيش حياة طبيعية، فأرجو الإفادة مع التفصيل في الجواب. وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمعنى العفو عن النجاسات التي يعسر التحرز منها عند المالكية هو: سقوط اعتبارها في حق الشخص -بدنه، وثوبه-، فما أصابه من نجاسته تلك؛ معفو عنه في حقه، وإذا عفي عن عين النجاسة، فلا داعي للسؤال عن انتقالها لما أصابته من بدن الشخص أو ثوبه.

وعليه؛ فصاحب الحدث المستنكح يعفى له عما أصاب بدنه القريب والبعيد من مكان خروج الحدث، وكذا ما أصاب ثيابه مباشرة، أو بواسطة ملامسة البول بالأولى، فالمعفو عنه من النجاسات ساقط الاعتبار في حق صاحبه، وليس له حكم النجاسة، جاء في الحطاب: فرع: قال في الذخيرة: "إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها، عفي عنها في حق غيره؛ لسقوط اعتبارها شرعًا ...، والشاهد من كلامه قوله: لسقوط اعتبارها شرعًا.

كما أن تنصيصهم على ندب غسل ما تفاحش من النجاسات المعفو عنها دليل على سقوط اعتبارها نجاسة، قال الإمام عليش المالكي في منح الجليل: ونُدِب بضم فكسر، أي: غسل كل نجس معفو عنه.. إن تفاحش النجس المعفو عنه بخروجه عن الحد المعتاد، واستقباح النظر إليه، والاستحياء من الجلوس به بين الأقران، ووجد سبب العفو، فإن زال، وجب، أو سن غسله. انتهى.

والأمر واضح، ونرجو أن لا يكون السائل الكريم عنده شيء من الوسوسة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني