الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نسبة صناعات الناس بنقصها وعيبها إلى الله... رؤية شرعية

السؤال

جزاكم الله خيرا. عندي سؤال: هل يجوز نسبة ما يفعله الإنسان من صناعات واختراعات إلى الله -عز وجل-؟
لأن الإنسان يعتريه النقص تعالى الله علوا كبيرا عن كل نقص. وهناك قاعدة بأن أفعال العباد مخلوقة.
وضحوا لي جزاكم الله خيرا، وأعطوني أمثلة للفهم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكأن السائل يستشكل نسبة خلق أفعل العباد - ومنها مخترعاتهم وصناعاتهم لله -تعالى-، مع ما فيها من النقص والعيب! فإن كان هذا هو مراده، فالأمر أبعد من مجرد الصناعات والمخترعات، بل حتى الشرور التي تجري على أيدي الناس، لا تخرج عن خلق الله تعالى وقضائه وقدره! وهي بالنسبة لفعل الله تعالى، وما فيه من الحكمة والمصلحة الكلية تعتبر خيرا وكمالا، وإن كانت في الوقت نفسه تعتبر شرا جزئيا بالنسبة لفاعلها. وراجع في ذلك الفتوى: 135313.

وقريب من هذا أن وجود ذوي العاهات وناقصي الخِلقة من البشر وغيرهم، لا يدل على نقص في الخالق -جل وعلا-، فإنه كان قادرا على معافاتهم كبقية البشر، ولكن اقتضت حكمته أن يفاوت بين الناس في الخِلقة، كما فاوت بينهم في الرزق والعطاء؛ إظهارا لطلاقة القدرة، واستخراجا لعبادتي الشكر والصبر، وتمييزا بين الناس بابتلائهم بالسراء والضراء.

فمثلا: نعمة الصحة وتمام الخلقة تتفاوت في الناس، فإذا رُؤيَ المريضُ، وصاحبُ العاهة، وناقصُ الخلقة، عُرف فضلُ الصحةِ، والعافية، وتمامِ الخلقة، كما أن عجز القوي الصحيح وضعفه عن إدراك كثير مما يطلب، يظهر فقره إلى الله تعالى الذي لا يعتريه نقص، ولا يعجزه شيء.

والمقصود أن ما في صناعات الإنسان من العيب أو النقص، وإن كان يدل على نقص الإنسان، إلا إنه يدل في الوقت نفسه على كمال خالقه الذي أقدره على صناعتها، ووهبه من العقل والجوارح ما يمكنه منها. فالكمال المطلق لا يكون إلا لله تعالى، وهذا يظهره ما في المخلوقات من نقص ذاتي، كما يظهره ما فيها من إحسان الخِلقة وإتقان الصنعة، كما قال سبحانه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7] وقال عز وجل: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] فما في المخلوقات من النقص والتفاوت في جزئيات الكمال، هو ذاته يظهر كمال الخالق سبحانه الذي فاوت بين الخلق، ورفع بعضهم فوق بعض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني