الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد من الحكمة في آية: "وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" وقول ابن عثيمين في ذلك

السؤال

قوله تعالى: "وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة"، قيل: في الحكمة قولان: معرفة أسرار الشريعة، والسنة النبوية، فما الراجح من القولين؟ أو ما الأصح؟ علمًا أن ابن عثيمين رجّح أن تكون معرفة أسرار الشريعة، واستبعد أن يكون معنى الحكمة السنة النبوية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد سبق تفصيل القول في معنى الحكمة الواردة في قوله سبحانه: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {النساء:113}، وأن المراد بها السنة، وأن الأقوال الأخرى في معنى الحكمة لا تنافي هذا المعنى؛ فالاختلاف في تفسير الحكمة من اختلاف التنوع لا التضاد، وانظر الفتوى: 392290.

وأما ابن عثيمين: ففي مواضع كثيرة من كتبه، قد فسر الحكمة بالسنة، فقال في لقاء الباب المفتوح: ولهذا قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)، وهي السنة، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113]، قال أهل العلم: المراد بالحكمة هنا السنة، بدليل قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113]. اهـ.

وقال في شرح كشف الشبهات: قوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} فأشار الله تعالى إلى الحكمة التي هي السنة، فإنها تبين القرآن. اهـ.

وقال في القول المفيد: قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء:113] قال المفسرون: الحكمة السنة. اهـ.

وقال في كتابه: الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع: فما بينته السنة فإن القرآن قد دلّ عليه؛ لأن السنة أحد قسمي الوحي الذي أنزله الله على رسوله، وعلّمه إياه، كما قال الله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}. اهـ.

وفي فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: السنة دليل إلهي، كما أن القرآن دليل إلهي، ومن فرّق بينهما فقد كفر بالقرآن والسنة؛ لأن الله تعالى يقول: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}. اهـ.

وأما تفسير الحكمة بأسرار الشريعة، فقد ذكره احتمالًا في تفسيره لقوله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {البقرة:129}، فقال: والحكمة قيل: هي السنة؛ لقوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء:113]؛ ويحتمل أن يكون المراد بها معرفة أسرار الشريعة المطهرة، وأنها شريعة كاملة صالحة لكل زمان ومكان. اهـ.

وقال في تفسير: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ {البقرة:151}: {والحكمة}: هي أسرار الشريعة، وحسن التصرف بوضع كل شيء في موضعه اللائق به - بعد أن كانوا في الجاهلية يتصرفون تصرفًا أهوج من عبادة الأصنام، وقتل الأولاد، والبغي على العباد. اهـ.

وعلى كل حال؛ فالمشهور عن المفسرين المتقدمين، وكبار الائمة هو تفسير الحكمة بالسنة، ولا يحسن بطالب العلم معارضة أقوال المتقدمين بأقوال المعاصرين، وتكلّف الاشتغال بالجمع والتوفيق بينها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني