الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بهداية شخص معين والاستغفار له والإكثار من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"

السؤال

إذا تمنيت تحقق شيء كبير شبه مستحيل، ودعوت لشخص بالهداية، وصلاح حاله، وأخلاقه، فهل هذا الدعاء جائز أم لا؟ وأحيانًا أستغفر بنية الاستغفار له، وأن يقرّبه الله منه، ويهديه، ويلين قلبه، فهل يجوز لي أن أستغفر لشخص؟ وما الصيغة الصحيحة لهذا الاستغفار؟ وهل الملائكة يمكن أن تقول لي: ولكِ بالمثل؟ وإذا كانت كل الأسباب في الأرض منقطعة، ولا يحق لي أن أتدخل، أو أتكلم، أو أعمل أي شيء غير الدعاء، والاستغفار، وقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فهل هذا يكفي، ويمكن أن يغيّر شيئًا، أو أوقف الدعاء؟ فأنا أعرف أنه لا بد أن آخذ بالأسباب، ولا أسباب عندي، فما الحل؟
أنا لا أريد أن أوقف الدعاء؛ لكيلا أكون يائسة، ولم أدعُ من قبل بشيء ويئست منه، لكني لا أعرف التصرف الصحيح هذه المرة؛ لأن الدعاء ليس لي، وهل الاستغفار، والإكثار من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" يحلّ المشاكل الصعبة مثل هذه، ولو من غير دعاء بشيء معين؟ ولو سألت شخصًا أكبر مني: ما التصرف الصحيح؟ فيمكن أن يقول لي: لا علاقة لك بالموضوع، وعندي إحساس بأن هذا الشخص يمكن أن يكون أحسن في يوم من الأيام، لكني لا أعرف كيف، فهذا الشخص يصلي، لكنه غير منتظم، ومدخّن، وحوله بيئة غير حسنة، ويمكن أن تكون هي السبب في الحالة التي هو فيها، وقد حاول ذات مرة أن يترك التدخين، ثم عاد مرة أخرى؛ لأنه ضعيف الإرادة والرغبة في الحياة؛ بسبب الطفولة الصعبة، وأشعر أنه محتاج لمساعدة، لكني لن أستطيع مساعدته، وأشعر أن دعائي يمكن أن يكون سببًا في أن يتحسن، فهل تفكيري خاطئ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فسؤال الله تعالى هداية شخص معين، ليس محظورًا، ولا هو من الاعتداء في الدعاء، وليس هو مستحيلًا في قدرة الله تعالى؛ فالله تعالى يهدي من يشاء، قال تعالى: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الأنعام:39}، وقال: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ {الأنعام:125}، وقال: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {القصص:56}، وقال: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ {آل عمران:73}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فلا حرج عليك في الاستمرار في الدعاء لهذا الشخص بالهداية.

ودعاؤك له قد يكون سببًا في هدايته -إن شاء الله-، ولك أجر الدعاء للمسلم بظهر الغيب، حيث يدعو لك الملك بمثل ما دعوت له به، ولكن لا تجزعي إذا لم يهدِه الله تعالى، فإنما علينا بذل الأسباب، والله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضلّ من يشاء بعدله؛ ومن ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر:8}.

واستغفارك له فعل حسن، يرجى له به المغفرة، وقد أمر الله نبيه بالاستغفار للمؤمنين، فقال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {محمد:19}.

ولزومك: لا حول ولا قوة إلا بالله، من أفضل الأعمال؛ فإنها كنز من كنوز الجنة، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في وصية له: وَليكن هجيراه: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه؛ فَإِنَّهَا بهَا تحمل الأثقال، وتكابد الْأَهْوَال، وينال رفيع الْأَحْوَال. وَلَا يسأم من الدُّعَاء والطلب؛ فَإِن العَبْد يُسْتَجَاب لَهُ مَا لم يعجل، فَيَقُول: قد دَعَوْت، ودعوت، فَلم يستجب لي. وليعلم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر، وَأَن الْفرج مَعَ الكرب، وَإِن مَعَ الْعسر يسرًا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني