الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سجود السهو لمن نسي سجدة من صلاته أو نسي التشهد الأول

السؤال

إذا انتهيت من الصلاة، وتذكّرت أني نسيت سجدة، فهل أكبّر للإحرام، ثم أكبّر للسجود، أم أجلس، وأكبّر للسجود؟ وإذا قمت من التشهد الأول، وتذكّرت قبل أن أستتم قائمًا، فإني أتشهّد، وأسجد للسهو، فهل أسجد لأني نسيت التشهد الأول، أم لأني قمت، ثم جلست، أم للاثنين معًا؟ أرجو التوضيح؛ فأنا لم أفهم كيف أنوي سجود السهو، وهل يكفي أن أنوي أنني سأسجد لكل سهو حصل مني علمته أم لم أعلمه؟ وهل يجب أن أنوي أنه سجود سهو لنقص أو لزيادة؟
كل ما أريده هو أن أعلم كيف يجب أن أنوي هذا السجود؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تعني بقولك: "انتهيت من الصلاة" أي: سلَّمت منها، وتذّكرت أنك نسيت سجدة، ولم يطل الفصل، فإنك لا زلت في الصلاة، فلا تحتاج أن تكبّر تكبيرة إحرام لتدارك السجدة المنسية، قال النووي في «المجموع شرح المهذب»: لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةٍ، وَأَحْرَمَ بِأُخْرَى، ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْأُولَى. وَأَمَّا الْأُولَى فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ، بَنَى عَلَيْهَا، وَإِنْ طَالَ، وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. اهــ.

والشاهد أنك لم تخرج من الصلاة، فلا تحتاج لتكبيرة الإحرام.

فإن طال الفصل، فإنه يلزمك إعادة الصلاة من أولها، وإن قصر الفصل، لم تبطل الصلاة.

وتحديد طول الفصل أو قصره راجع إلى العادة، قال ابن قدامة في «المغني»: ويُرْجَعُ في طُولِ الفَصْلِ وقِصَرِهِ إلى العَادَةِ، والعُرْفِ. اهــ.

وإذا لم تبطل الصلاة لقصر الفصل، فإنك تقوم، وتأتي بركعة كاملة ــ ولو كانت السجدة التي تركتها من الركعة الأخيرة، ثم تتشهد، ثم تسلم، ثم تسجد سجدتي السهو، قال ابن قدامة في «المغني»: قال أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- في رِوَايةِ الأثْرَمِ فِيمَنْ نَسِىَ سَجْدَةً من الرَّكعَةِ الرَّابِعَةِ، ثم سَلَّمَ، وتَكَلَّمَ: إذا كان الكَلَامُ الذي تَكَلَّم به من شَأْنِ الصَّلَاةِ، قَضَى رَكْعَةً، لا يَعْتَدُّ بالرَّكعَةِ الأخِيرَةِ؛ لأنَّها لا تَتِمّ إلَّا بِسَجْدَتَيْها، فلمَّا لم يَسْجُدْ مع الرَّكْعَةِ سَجْدَتَيْها، وأَخَذَ في عَمَلٍ بعد السَّجْدَةِ الواحِدَةِ، قَضَى رَكْعَةً، ثم تَشَهَّدَ، وسَلَّمَ، وسَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ. وإن تَكَلَّمَ بشَيْءٍ منْ غَيْر شَأْنِ الصَّلَاةِ، ابْتَدَأ الصَّلاةَ. اهــ.

ويرى بعض أهل العلم أنه إذا كانت السجدة المنسية من الركعة الأخيرة، فإنه لا يأتي بركعة كاملة، وإنما يسجد تلك السجدة المنسية، ويتشهد، ويسلّم، ثم يسجد للسهو، ويسلّم ثانية، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة فقد جاء في «فتاوى اللجنة الدائمة»: من نسي سجدة من الركعة الأخيرة من الصلاة، وعلم بذلك بعد السلام، فإنه إذا لم يطل الفصل يعود، ويسجد، ويتشهد التشهد الأخير، ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وإن سجدهما قبل السلام، فلا بأس. أما إن طال الفصل، فإنه يعيد الصلاة من أولها. اهــ وانظر الفتوى: 136130.

وأما سجود السهو إذا نسي التشهد الأول، ورجع إليه قبل أن يستتم قائمًا، فإن المصلي إذا نسي التشهد الأول، وقام، وتذكّر قبل أن يستتم قائمًا، فإنه يلزمه الرجوع، والإتيان بالتشهد، ويسجد للسهو في آخر الصلاة، قال صاحب الزاد: وَإِنْ نَسِي التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ، وَنَهَضَ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا، فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، كُرِهَ رُجُوعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، وَإنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، حَرُمَ الرُّجُوعُ، وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِلْكُلِّ. اهــ.

قال في الشرح الممتع: قوله: «وعليه السجود للكلِّ» أي: في كلِّ الأحوال الثلاث: إذا نهض ولم يستتمَّ قائمًا؛ إذا استتم قائمًا ولم يقرأ؛ إذا شَرَعَ في القراءة، فعليه السجود في الكُلِّ.

وبقي حال رابعة لم يذكرها؛ لأنها لا توجب سجود السَّهو، وهي: ما إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض، أي: تأهَّب للقيام، ولكن قبل أن ينهض، وتفارق فخذاه ساقيه، ذَكَرَ أنه لم يتشهَّد، فإنه يستقرُّ، ولا يجب عليه السُّجود في هذه الحال؛ لعدم الزيادة، وعدم النقص، أما عدم النقص؛ فلأنه أتى بالتَّشهُّدِ، وأما عدم الزيادة، فلأنه لم يأتِ بفعل زائد. اهــ.

ويكفيك أن تسجد بنية السجود للسهو الذي حصل منك دون وسوسة؛ هل هو للزيادة أم النقصان.

وقد لمسنا من أسئلتك أنك تعاني من وسوسة شديدة في الصلاة، والكفر، والطهارة؛ فاتقِ الله تعالى، وكفَّ عن الوسوسة، ولا تشدِّد على نفسك، وتتكلّف ما لم تؤمر به شرعًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني