الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط في ما تجب فيه طاعة الوالدين وما لا تجب

السؤال

أنا شاب اتصلت بالموقع في قضية: هل تجب طاعة الأم في الأمور التي لا تجب طاعتها فيها في الأصل؛ كنهيها عن أية نافلة لقلة دينها، أو إكراه الابن بالزواج من امرأة لا يريدها، إذا كان ذلك يزيد مرضها؟
وباختصار ذكرتم أنّه إذا كانت تضر الابن، فلا تجب، ولو مع تلك الأذية. أما لو كان لا يضر فأجبتم بأن الظاهر -والله أعلم- وجوب طاعتها.
لكن سؤالي: كيف يحدد الابن أنّ ما تأمره به يضره. فهل إذا كان الابن في ضيق مستمر، وضغط نفسي، وهمّ وغمّ هل هذا ضرر؟ أي هل إذا حاول الابن أن يترك طلب العلم المستحب، أو حاول أن يجبر نفسه على الزواج بمن لا تعجبه طاعةً لأمّه، فصعُبَ عليه ذلك من شدة الضيق والحزن، فكيف يتصرف الابن، وهو يخاف كثيرا العقوق، ولا يستطيع أن ينزع هذا الخوف عن نفسه؟
وماذا لو تطور الأمر معه إلى الخشية من حالة اكتئاب، أو ضغط نفسي مزمن؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
أخيرا أريد فقط نقاش هذه القضية، وصححوا لي إن كنت مخطئا: قد ذكر الامام ابن حجر العسقلاني في ضابط عقوق الوالد أن يتأذى إلا في شرك أو معصية، ما لم يتعنت. وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أنه حتى لو حصل إيذاء، فهذا مشترط بأن لا يكون الأمر قد صدر من حمق وغباوة، وإلا فلا عبرة بالأذية.
وكذلك العلماء متفقون على أن إيذاء الجار من الكبائر، فلو قال لك جارك: أريد أن تترك طلب العلم المستحب، وإلا فسأمرض، فلا أظن أن أحدا يقول بوجوب طاعته. فلو قال قائل إن الجار لا تجب طاعته، فكذلك الأم، لا تجب طاعتها في هذه القضية الجزئية في الأصل. وسامحوني على الإطالة؛ لأنه قد أتعبني هذا الأمر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد نص الفقهاء على أن طاعة الوالدين تجب فيما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر على الولد، وأنه إذا شق عليه، ولم يضر وجبت الطاعة، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 76303.

وهو في الحقيقة ضابط مهم، يحترز به عما ذكره الهيتمي من أنه قد يكون الحامل للوالدين في أمرهما الولد بشيء، أو نهيهما عن شيء مجرد الحمق والتعنت، فلا تلزم به الطاعة، ويحترز به أيضا كذلك عما قد يكون من المشقة والأذى المحتمل، والذي لا تسقط به الطاعة.

وضابط الضرر قد بيناه أيضا في الفتوى: 139019، وبينا أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأعراف، فراجع التفصيل في هذه الفتوى التي أحلناك عليها.

وما سألت عنه من الهم والغم، والضغط النفسي، وخشية الاكتئاب؛ قد تختلف درجته، فيكون مشقة يمكن احتمالها، بل ومدافعتها، فلا يحصل للابن منها ضرر، وقد تكون شديدة لا يحتملها، فيتضرر منها حقيقة.

وكلام ابن حجر العسقلاني والهيتمي الذي أوردته بالسؤال جاء في بيان ضابط العقوق، وأن الولد إذا خالف والديه فيما كان لهما فيه مجرد التعنت والحمق أنه لا يكون عاقًّا بذلك، وهو يؤكد ما ذكره الفقهاء في ضابط طاعة الوالدين، وأنه يشترط أن يكون فيما فيه منفعة لهما من غير تعنت، أو إرهاق للولد.

والمثال الذي ذكرته والمتعلق بالجار، وقياس الوالدين على الجار؛ قياس مع الفارق الكبير، فقد أوجب الله تعالى طاعة الوالدين في المعروف، ولو كانا مشركين، ولم يوجب ذلك في حق الجار، ولو كان مسلمًا، والحق العظيم الذي جعله الشرع للجار لا يستلزم طاعته، بخلاف حق الوالدين.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 3109.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني