الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجه بناء الفعل للمفعول في قوله تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

السؤال

هل يجوز القول بأن الفعل المبني للمجهول 'أُعِدَتْ' في الآية رقم: 131 من سورة آل عمران بُنِي لمفعوله لنقل الصورة الغيبية للنار المجهولة لدى الإنسان، والتي لا تدركها حواسه؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نقف على كلام للمفسرين في نكتة بناء الفعل "أُعدت" للمفعول في قوله تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {آل عمران:131}، ونظائره في القرآن الكريم.

وعلى كل حال: فإن العلماء يتكلمون عن الأغراض البلاغية، والأسباب البيانية لحذف الفاعل عموما، قال الزركشي في كتابه: البرهان في علوم القرآن: أما حذفه وإقامة المفعول مقامه مع بناء الفعل للمفعول فله أسباب:
منها: العلم به، كقوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} . {وخلق الإنسان ضعيفا} ونحن نعلم أن الله خالقه.
قال ابن جني: وضابطه أن يكون الغرض إنما هو الإعلام بوقوع الفعل بالمفعول، ولا غرض في إبانة الفاعل من هو.
ومنها: تعظيمه كقوله: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} إذ كان الذي قضاه عظيم القدر.
وقوله: {وغيض الماء وقضي الأمر} .

وقوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} قال الزمخشري في كشافه القديم: هذا أدل على كبرياء المنزل وجلالة شأنه من القراءة الشاذة [أنزل] مبنيا للفاعل كما تقول: الملك أمر بكذا ورسم بكذا وخاصة إذا كان الفعل فعلا لا يقدر عليه إلا الله؛ كقوله: {وقضي الأمر} قال: كان طي ذكر الفاعل كالواجب لأمرين:
أحدهما: أنه إن تعين الفاعل وعلم أن الفعل مما لا يتولاه إلا هو وحده كان ذكره فضلا ولغوا.
والثاني: الإيذان بأنه منه غير مشارك ولا مدافع عن الاستئثار به والتفرد بإيجاده.

وأيضا فما في ذلك من مصير أن اسمه جدير بأن يصان ويرتفع به عن الابتذال والامتهان، وعن الحسن: لولا أني مأذون لي في ذكر اسمه لربأت به عن مسلك الطعام والشراب.
ومنها: مناسبة الفواصل، نحو: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} ولم يقل يجزيها.
ومنها: مناسبة ما تقدمه، كقوله في سورة براءة: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} ، لأن قبلها: {وإذا أنزلت سورة} على بناء الفعل للمفعول فجاء قوله: {وطبع} ليناسب بالختام المطلع بخلاف قوله فيما بعدها: {وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون} فإنه لم يقع قبلها ما يقتضي البناء فجاءت على الأصل .اهـ.

ومن هنا فيمكن أن يقال: إن الفعل "أعدت" بني للمفعول لتعظيم الفاعل وهو الله -جل وعز-، وللعلم به، وأنه لا يقوم بهذا الفعل سواه سبحانه، وإعلاما بأنه تعالى متفرد بإعداد النار لا شريك له في ذلك.

وأما قولك: (بني لمفعوله لنقل الصورة الغيبية للنار المجهولة لدى الإنسان، والتي لا تدركها حواسه): فلا يظهر لنا وجهه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني