الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في قضاء الصلوات الفائتة بسبب الإغماء

السؤال

جزاكم الله خيرا. أنا لدي 3171 صلاة فائتة بعذر، قرأت أن أبا حنيفة ذكر أن الصلوات الفائتة للمغمى عليه إذا زادت عن خمس صلوات لا يقضيها.
وأنا -بناءً على ذلك- لا أقضي الصلاة، وقد ذكرت دار الإفتاء في الأردن أن الشخص يجوز له أن يأخذ بقول أي عالم ليدفع عن نفسه الحرج.
فهل أنا مخطئ؟ وشكرا جزيلا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت هذه الصلوات قد فاتتك بسبب الإغماء -كما قد يفهم من سياق كلامك-؛ فاعلم أن قضاء الصلاة للمغمى عليه محل خلاف بين أهل العلم، فذهب الشافعية والمالكية إلى عدم وجوب قضائها، وروي هذا عن ابن عمر، وذهب الحنابلة إلى وجوب قضائها مطلقا، وروي عن عمار، وذهب الحنفية إلى ما ذكرته من التفصيل.

قال ابن قدامة في المغني: المغمى عليه حكمه حكم النائم، لا يسقط عنه قضاء شيء من الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُفِيقَ فِي وَقْتِهَا، فَيُصَلِّيَهَا» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَاهَا، وَإِنْ زَادَتْ سَقَطَ فَرْضُ الْقَضَاءِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي التَّكْرَارِ، فَأَسْقَطَ الْقَضَاءَ، كَالْجُنُونِ. انتهى

وبه تعلم أن قول الجمهور في تلك الصلوات الفائتة لك بعذر الإغماء هو أنه لا يجب قضاؤها، وهو قول قوي متجه، وقد اختاره جمع من الحنابلة.

قال المرداوي في الإنصاف: وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. انتهى

ولا حرج عليك في العمل بهذا القول لقوته، وكثرة القائلين به من العلماء، وما يفعله العامي في مسائل الخلاف مبين في الفتوى: 169801.

والأخذ ببعض الرخص للحاجة مما سهل فيه جمع من أهل العلم؛ كما بسطنا ذلك في الفتوى: 134759.

وأما إن كنت تركت تلك الصلوات عمدا، فوجوب قضائها هو قول الأئمة الأربعة، وهو ما نفتي به، وإن كنت تركتها لغير ذلك، فبيِّن سبب الترك لنا لكي نجيبك إجابة مطابقة لسؤالك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني