الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب ببر الوالدين والترهيب من عقوقهما

السؤال

سؤالي وباختصار: هل سيرضى الله عني رغم عصبية أمي علي، هي تغضب علي من أصغر شيء، وتسبني. وهذا يضايقني. وأحاول أن أتغير. حتى إذا قمت لأقوم الليل وأصلي الفجر، تقول لي: الآن تستيقظ، أنت مجنون. فتضايقت منها وقلت لها إني أستيقظ لأصلي وليس لألعب كأخي الكبير.
فهل في جوابي كبر على أخي؟ لم أقصد أن أعيبه -هداه الله وهداني، وغفر لنا- لكني قصدت أمي: لماذا تنزعج مني في استيقاظي؟
لا أنكر أنها قالت لي كثيرا: تحملني وأخاك، لكني لا أتحمل نفسي، فإني تعبت، وأحاول أن أصلح نفسي.
وذات مرة تضايقت وقلت كلاما جارحا لها. هل هذا عقوق؟ يعني لم أقصد أن أؤذيها، قصدت أن تفهم مقصودي من الكلام أني أكره نفسي وأكره كل شيء؛ لأني لست بصالح ولا بعبد صالح مع ربه، ولا صالح لأهله. وكيف يرضى الله عن عبد قلبه أسود مثلي لا رحمة فيه، يرجو التوبة ويعمل، ولكن عند أول اختبار صبر يسقط فيه، يا حسرتنا على ما فرطنا حين نموت، فاللهم ارض عنا وارحمنا.
إن كان هناك كتاب جميل عن رضا الوالدين، لعلي أتعلم منه -إن شاء الله- وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تخفى مكانة الوالدين وعظم حقهما على الولد؛ لكونهما سببا لوجوده، وقد قرن الله حقه بحقهما، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.

ولذلك يجب برهما والإحسان إليهما، ويتأكد ذلك في حق الأم، فقد أوصى الله تعالى وصية خاصة فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}.

وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك». متفق عليه.

ومهما أساء الوالد -أباً أم أماً- فعلى الولد أن يتقي الله ويصبر، ويحذر الإساءة إليه بأي إساءة، قال سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}.

وقد عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة- وإن كان واحدًا، فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
والعقوق يحصل بأدنى أذى أو إساءة للوالدين، ولا شك في أن الكلام الجارح نوع من العقوق، فالواجب عليك التوبة واستسماح أمك في ذلك والإكثار من الدعاء لها بخير.

وبما أنك عرفت حال أمك من العصبية، فاجتنب ما يستفزها، واجتهد في إخفاء ما تريد عمله من منافع الدين والدنيا، وإن اطلعت على شيء من ذلك وآذتك بسببه، فلا تقابل كلامها بكلام يؤذيها، أو تصرف يسيء إليها، بل اصبر وانصرف حتى يذهب عنها الغضب.

وليس في مجرد ما ذكرت عن أخيك الأكبر تكبر عليه، ولكنه يتضمن نوعا من الإساءة له، أو الغيبة إن لم يكن موجودا في تلك اللحظة، فتجب عليك التوبة من هذا أيضا واستحلال أخيك لو اطلع على هذا الأمر، والدعاء والاستغفار له إن لم يعلم، وانظر الفتوى: 171183.

ومن الكتب المتعلقة ببر الوالدين كتاب: بر الوالدين، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، ومن كتب المعاصرين: كتاب: بر الوالدين، للدكتور سعيد بن وهف القحطاني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني