الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المفاضلة بين أداء الصلاة جماعةً في المسجد دون الراتبة وأدائها منفردًا مع الراتبة

السؤال

أنا مهندس، أعمل في مكتب بدوام جزئي -لا كامل-، ولا أذهب لصلاة الظهر والعصر جماعةً في المسجد؛ نظرًا لضيق الوقت في العمل، فهل يمكن تعويض ذلك بصلاة النوافل في العمل، أم الأفضل صلاة الجماعة في المسجد دون نوافل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن صلاة الجماعة في المسجد أفضل من أدائها منفردًا بمكان العمل، ولو كنت ستصلي معها النافلة؛ لعموم النصوص الواردة في ذلك، ومراعاة للقول بوجوب صلاة الجماعة في المسجد.

ومن النصوص الواردة في ذلك: ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ. رواه مسلم.

فهذا دال على أولوية صلاة الجماعة متى أقيم لها، وألا يشتغل المرء عنها بنافلة.

وفي الصحيحين أيضًا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قالَ: مَن سرَّهُ أن يلقَى اللَّهَ غدًا مُسلِمًا، فليحافِظ على هؤلاءِ الصَّلواتِ حَيثُ يُنادى بِهِنَّ؛ فإنَّ اللَّهَ شرعَ لنبيِّكُم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سُننَ الهدَى، وإنَّهنَّ مِن سُننَ الهُدَى، ولو أنَّكم صلَّيتُمْ في بيوتِكُم كَما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بَيتِهِ، لترَكْتُمْ سنَّةَ نبيِّكُم، ولو ترَكْتُمْ سنَّةَ نبيِّكم لضَللتُمْ. وفي الرِّوايَةِ الأُخرى: لكَفَرتُم، ولقَد رأيتُنا وما يتَخلَّفُ عَنها إلَّا مُنافقٌ مَعلومُ النِّفاقِ.

وروى مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له. فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب.

وأخرج مسلم من حديث أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرَّني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.

وأداء النوافل لا يتعارض مع هذا، ولا سيما على القول بمشروعية قضائها لمن فاتته، أو لم يستطع أداءها لضيق الوقت بسبب عمله، وبه قال عطاء، وطاووس، والشافعي، وأحمد، قال ابن قدامة في المغني: فصل: وأما قضاء السنة الراتبة بعد العصر، فالصحيح جوازه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر. اهـ.

وعلى هذا؛ فإنه يمكن الجمع بين الحسنيين، وإدراك الفضيلتين بأن يصلي الفريضة في المسجد، ويأتي بالراتبة متى ما قدر عليها.

فاحرص على أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، إن وسعك ذلك؛ فهو أفضل من أدائها منفردًا، ولو كنت ستصلي النافلة حال انفرادك، جاء في كتاب الأم للشافعي: وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ ‌الْجَمَاعَةِ ... وَكُلَّمَا كَثُرَتْ ‌الْجَمَاعَةُ مَعَ الْإِمَامِ، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَأَقْرَبَ -إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْ الْفَضْلِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني