الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله

السؤال

سؤالي هو: هل الله يرزق أي شخص بطريقة إعجازية، وهذا الشخص لا يسعى لرزقه؟
مثلاً: كنت أقول لأخي إنّه لا يستطيع أن يضخّم جسده أو عضلاته بدون أن يسعى لفعل ذلك. فقال لي: إذا الله أراد أن يرزقني العضلات وضخامة الجسد في ليلة واحدة، فقد يفعلها؛ لأنّه قادر على المستحيل. فقلت: نعم، إنّه قادر على فعل ذلك، لكن لن يفعلها حقاً؛ لأن هذا شيء غير منطقي. فقال لي: لا يجوز قول ذلك؛ لأن الله يفعل ما يشاء، حتى لو كان الشيء غير منطقيّ. ثم ضرب مَثَلا بخالد بن الوليد عندما شرب السم، ولم يضرّه. فقال: هذا غير منطقي أن يشرب السم، لكن الله رزقه العافية بطريقة إعجازيّة. ومع ذلك فخالد بن الوليد ليس بنبيّ أو رسول، لكنه عبد مثلي. فالقصد من قوله أن الله يستطيع في ليلة واحدة أن يرزقه بالعضلات أو ضخامة الجسد مثلاً، حتّى لو كان هذا الشيء شبه مستحيل أو غير منطقي. فقلت له: إن تضخيم الجسد في ليلة واحدة، معجزة لم تَحدث من قبل، فإنّه غير منطقي أن تحدث تلك المعجزة معك أنت. فقال: إذا شاء سيفعلها، حتى لو كان رزقا لم أسع إليه.
وتشاورنا في ذلك الموضوع تقريبا لمدة ساعتين، وأدّى ذلك إلى بعض الغضب.
ما رأيكم في هذا؟ وما هي الطريقة النّظريّة الصّحيحة في هذه المسألة؟
أرجو الرد لو سمحتم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمعجزات والكرامات لا تكون كذلك إلا إذا خالفت المألوف، وأتت على غير العادة، كما حصل في قصة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من شرب السم! ولو حصل هذا مع كل الناس، أو أغلبهم، أو حتى مع كثير منهم، لما كان للكرامات كبير معنى!

ولا يصح لعاقل -فضلا عن مسلم- أن يجري أمور دنياه على انتظار خرق العادة له، فيجعل الاستثناء قاعدة، والأصل شاذا، ويترك الأخذ بالأسباب المشروعة؛ فإن ذلك من التواكل والعجز المذموم، وليس من التوكل المأمور به.

والله -سبحانه- اقتضت حكمته ومشيئته ربط المسببات بأسبابها، وترتيب النتائج على مقدماتها، ومخالفة ذلك في حال الاختيار قدح في الشرع والعقل معا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب المأمور بها، قدح في الشرع؛ فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدا على الله لا على سبب من الأسباب ..

فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها، فعلها مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنة الحرب. ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومن ترك الأسباب المأمور بها، فهو عاجز مفرط مذموم. اهـ.

وراجع للفائدة، الفتويين: 161241، 268192.

ومن المعلوم أنه لا يمكن لعاقل أن يترك شرب الماء وهو محتاج إليه، بحجة أن الله يُرويه إذا شاء؟ أو يترك النكاح وينتظر الولد، بحجة أن الله يرزقه الولد إذا شاء، وعلى هذا تقاس بقية الأمور.

ويبقى مع ذلك للأحوال الخاصة حكمها من حصول الكرامات، ومنها شرب خالد للسم، وراجع في ذلك الفتوى: 248107.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني