الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رتبة أثر: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى....

السؤال

دخول المسجد باليمنى، والخروج باليسرى.
في سند الحديث ضعف شديد؛ فقد رواه الحاكم، وشيخ الحاكم فيه متهم بالكذب.
فهل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دخل المسجد باليمنى، وخرج باليسرى يقينا بالفعل؟
وجزاكم الله -عز وجل- خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو حفص عمر بن جعفر المفيد البصري، ثنا أبو خليفة القاضي، ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شداد أبو طلحة قال: سمعت معاوية بن قرة، يحدث، عن أنس بن مالك، أنه كان يقول: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى.

وهذا الأثر ليس شديد الضعف -كما زعمت- فقد قواه جمع من العلماء، فقد قال الحاكم: هَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَقَدِ احْتَجَّ بِشَدّادِ بْنِ سَعِيدٍ أبِي طَلْحَةَ الرّاسِبِيِّ، ولَمْ يُخَرِّجاهُ. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

بينما قال البيهقي في السنن الكبرى: تَفَرَّدَ بِهِ شَدّادُ بْنُ سَعِيدٍ أبُو طَلْحَةَ الرّاسِبِيُّ، ولَيْسَ بِالقَوِيِّ. اهـ.

وأنت ترى البيهقي رغم إشارته لضعف الأثر، إلا أنه لم يصفه بالضعف الشديد، وكذلك لم يعله بشيخ الحاكم عمر بن حفص أصلا.

وشيخ الحاكم عمر بن حفص: الراجح فيه أنه صدوق له أخطاء، كما حققه الذهبي.

فقد قال في ميزان الاعتدال: عمر بن جعفر البصري الحافظ.
انتخب الكثير على البغاددة، وكان صدوقا إن شاء الله. وله خطأ وأوهام، وقد كان الدارقطني يتتبع خطأه فيما انتقاه على أبي بكر الشافعي خاصة.

قال الخطيب: وكان أبو محمد السبيعي يقول فيه: كذاب، قال ابن أبي الفوارس: كانت كتبه ردية. اهـ.

والحديث دلالته ظاهرة على استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، فقول الصحابي: من السنة، حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن العطار في العدة في شرح العمدة: واعلم أن قول الصحابي: من السنة كذا، حكمه حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا اختيار أكثر الأصوليين والفقهاء والمحدثين؛ قالوا: لأن الظاهر أنه ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يحتمل أن ذلك قاله عن اجتهاد رأي؛ ولهذا جعله بعضهم موقوفًا، ولكن الأظهر خلافه. اهـ.

واستحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد ليس مبنيا على هذا الحديث فقط، بل هناك أدلة أخرى في المسألة، كحديث عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره، وترجله، وتنعله. متفق عليه.

وقد ترجم عليه البخاري في صحيحه: باب: التيمن في دخول المسجد وغيره.

قال ابن رجب في فتح الباري: الحديث يدل على تقديم اليمنى في الأفعال الشريفة، واليسرى فيما هو بخلاف ذلك.

فالدخول إلى المسجد من أشرف الأعمال، فينبغي تقديم الرجل اليمنى فيه كتقديمها في الانتعال، والخروج منه بالعكس، فينبغي تأخير اليمنى فيه، كتأخيرها في خلع النعلين. اهـ.

وأما قولك: (فهل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دخل المسجد باليمنى، وخرج باليسرى يقينا بالفعل): فلا نعلم نصا صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

لكن لا إشكال في أنه لا يشترط لإثبات استحباب حكم ما ثبوث فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، بل الاستحباب حكم شرعي يثبت بالكتاب وبالسنة والإجماع، وغير ذلك من أنواع الأدلة المعروفة في أصول الفقه.

وكذلك اليقين: ليس شرطا في الدليل، بل الأحكام تثبت بالأدلة الظنية عند عامة العلماء المعتبرين، كما سبق بيانه في الفتوى: 6906.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني