الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أدرك نبي الله يعقوب جدّه الخليل وحضر وصيته؟

السؤال

قرأت في بعض كتب التفسير أنه ورد عن بعض السلف "ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوبَ" بالفتح؛ على اعتبار أنه ممن كان حاضرًا عند وصية جدّه إبراهيم -عليهم السلام-، فهل صح هذا؟ وهل أدرك يعقوب جدّه الخليل -صلى الله عليهم وسلم-؟ وهل هذه القراءة شاذة؟ فلم أجدها ضمن الروايات العشرين المتواترة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه قراءة شاذة، قرأ بها بعض السلف، قال أبو حيان في البحر المحيط: قرأ الجمهور: {‌ويعقوب} بالرفع، وقرأ إسماعيل بن عبد الله المكي، والضرير، وعمرو بن فائد الأسواري: بالنصب ... وأما قراءة النصب، فيكون معطوفًا على بنيه، أي: ووصى بها نافلته ‌يعقوب، وهو ابن ابنه إسحاق. اهـ.

وقال القرطبي في الجامع: قرأ عمرو بن فائد الأسواري، وإسماعيل بن عبد الله المكي: {ويعقوب} ‌بالنصب عطفًا على {بنيه}؛ فيكون يعقوب داخلًا فيمن أوصى. قال القشيري: وقرئ {يعقوب} بالنصب عطفًا على {بنيه} وهو بعيد؛ لأن يعقوب لم يكن فيما بين أولاد إبراهيم لما وصّاهم، ولم ينقل أن يعقوب أدرك جدّه إبراهيم، وإنما ولد بعد موت إبراهيم. اهـ.

وقد نقض ابن كثير كلام القشيري، ورجّح إدراك يعقوب لجدّه إبراهيم -عليهم السلام-، فقال في تفسيره: قد قرأ بعض السلف: {ويعقوب} ‌بالنصب عطفًا على {بنيه}، كأن إبراهيم وصى بنيه، وابن ابنه ‌يعقوب بن إسحاق، وكان حاضرًا ذلك، وقد ادّعى القشيري -فيما حكاه القرطبي عنه- أن ‌يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح؛ والظاهر -والله أعلم- أن إسحاق ولد له ‌يعقوب في حياة الخليل وسارة؛ لأن البشارة وقعت بهما في قوله: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق ‌يعقوب} ... فلو لم يوجد ‌يعقوب في حياتهما؛ لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة، وأيضًا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، وقال في الآية الأخرى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة}، وهذا يقتضي أنه وجد في حياته، وأيضًا فإنه باني بيت المقدس، كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قلت: ثم أي؟ قال: "بيت المقدس"، قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" الحديث ... وأيضًا فإن ذكر وصية ‌يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبًا، وهذا يدل على أنه ها هنا من جملة الموصين. اهـ.

ونحا القاسمي في محاسن التأويل هذا المنحى أيضًا، وأكّده، فقال: ولد ‌يعقوب في حياة جدّه إبراهيم، وأدرك من حياته خمس عشرة سنة، كما يستفاد من سفر التكوين من التوراة؛ فإن فيها أن إبراهيم -عليه السلام-، ولد له إسحاق وهو ابن مائة سنة، ومات وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة، وكان لإسحاق، حين ولد له ‌يعقوب وعيسو، ستون سنة؛ فاستفيد من ذلك ما ذكرناه. ولوجود ‌يعقوب في حياة جدّه، يفهم سر ذكره في قوله تعالى: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ}، وفي آية أخرى: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً}. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني