الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من تزوجت بغير شهود وطلقها زوجها ثلاث عشرة مرة

السؤال

تزوجت بحضور الولي، ولكن بغياب الشهود. والمأذون الوالد عمل الصيغة، وهو كان الشاهد، ولم يكن هناك عرس، وتم الدخول.
عشت مع زوجي فترة، وبسبب كورونا، لم أره منذ سنة ونصف، هو ببلده وأنا ببلدي، وهناك تواصل بيننا.
ومنذ يومين، وبسبب شجار وغضب طلقني بالثلاث وعشرة، وطالق طالق. بعدها ندم ندما غير طبيعي.
أفتني يا شيخ ماذا أفعل؟
وهل صحيح أن الزواج باطل من أوله؟ وكيف نستطيع أن نصحح الموضوع؟
وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبخصوص صحة عقد النكاح: فقد ذكرنا في فتاوى عديدة سابقة، أن النكاح لا يصح بدون شهود، وانظري أقوال العلماء فيمن تزوج بدون شاهدين، في الفتوى: 27013.

لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن النكاح يصح مع الإعلان والفشو، ولو لم يشهد عليه شاهدان، وهو قول معتبر.

فقد جاء في فتح العلي المالك، للعلامة محمد عليش قوله: قال العلامة التاودي: قال الشارح: شدد المتأخرون في شرط الإشهاد حتى كأنه عندهم ركن، وخلو بعض الأنكحة عنه مع وجود الشهرة مما تعم به البلوى، وفي كلام المتقدمين أن القصد في النكاح إنما هو الشهرة.

وفي الجواهر: لم تكن أنكحة السلف بإشهاد، وفي جواب ابن لب ما نصه: ذكر أهل المذهب أن الشهادة بالنكاح وشهرته مع علم الزوج والولي تكفي, وإن لم يحصل إشهاد. وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف, وهو مروي عن ابن القاسم. انتهى.

وذكر مثل هذا المعنى الأخير ابن تيمية في مجموع الفتاوى، حيث قال: فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح، وإن لم يشهد شاهدان. انتهى.

وبناء على هذا القول، إن كان أمر نكاحكما قد اشتهر وفشا خبره وانتشر بين الأقارب والأصدقاء والجيران، فإنه يمضي، خاصة بعد أن تم الدخول.

وأما بخصوص قولك: (طلقني بالثلاث وعشرة، وطالق طالق) فالتطليق بالصورة المذكورة في السؤال من التلاعب بالأحكام الشرعية، وقد قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا {البقرة:231}، وأخرج النسائي وغيره عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضبان، ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ فإذا كان الذي يطلق ثلاثاً جميعاً يلعب بكتاب الله، فكيف بالذي يطلق ثلاث عشرة مرة؟!.

وعلى كل حال، فمن قال لزوجته: أنت طالق ثلاث عشرة مرة، أو مائة طلاق.. ونحو ذلك، وهو ينوي ثلاثاً أو لا ينوي، وقعت ثلاث طلقات، وبانت منه زوجته عند جماهير أهل العلم؛ لأنه قيد الطلاق الصريح بعدد صريح، فيعامل بذلك العدد، وتقع منه ثلاث طلقات؛ لأن هذا هو الذي يملكه من الطلاق، وباقي الطلقات عدوان واستهزاء بآيات الله.

وانظري الفتاوى: 125729، 374782، 43719.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق يقع في الصورة المذكورة طلقة واحدة -نوى ثلاثاً أو لم ينو- واستدلوا بما رواه مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: الناس قد استعجلوا من أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

ووجه الدلالة من الحديث: أن الطلاق المجموع بكلمة واحدة لا يقع به إلا طلقة واحدة، فهذا حاصل كلام أهل العلم في المسألة.

والذي ننصح به أن ترجعا إلى المحاكم الشرعية في بلدك، أو في بلده؛ لتحكم بما تراه مناسباً في موضوعكما، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى: 5584.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني