الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإضرار في الوصية من الكبائر

السؤال

توفي والدي منذ 6 سنوات، وترك ميراثًا، وترك بنتين وأمّهما، وتنازلت أمي عن جزء من نصيبها كتابة، واحتفظت بجزء، ثم بعد ذلك أعطتنا ذلك الجزء، فقلت لها: إن هذا لا يجوز؛ لأنه بعد عمر طويل لك ورثة غيرنا -خالي-، فقالت: لقد سألت شيخًا، فقال: إن ذلك يجوز في حال الصحة.
ومنذ فترة أعطتني أمّي مالها، وقالت لي: جزء لك، والجزء الآخر لأختك، وتركت في المنزل مبلغًا للطوارئ، وقالت: إذا حدث لي شيء، فهذا المبلغ لك؛ لأنك غير متزوجة، ولا تعملين، وإذا أردت أن تأخذيه كله، فخذيه، أو اجعليه مناصفة مع أختك.
بعد شهرين مرضت أمي، وتوفيت، وعلمت أنها تخرج الزكاة بطريقة خاطئة، فأخذت ذلك المال، ودفعت منه الزكاة، ولم أخبر أختي بشيء، فهل هذا خطأ؟ وذهبت لخالي، وأخبرته بما حدث، وقلت له: إذا أردت أن تأخذ نصيبك؛ فسأعطيه لك، فرفض، وقال: أنتما أحق، وإذا أردتما شيئًا، فيجب عليّ أن أعطيكما إياه، فهل برئت ذمّة والدتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تعنين براءة ذمّة والدتك من الزكاة التي أخطأت في حسابها: فما دمت قد أخرجت ما بقي من الزكاة، فقد برئت ذمّتها، وأحسنت صنعًا.

ونرجو أن لا يكون عليها إثم في ذلك الخطأ؛ فقد دل الشرع على رفع الخطأ عن هذه الأمة، والنسيان، وأنه لا إثم مع عدم القصد، كما في قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وقول الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، وفي الحديث أن الله تعالى قال: ‌قَدْ ‌فَعَلْتُ. رواه مسلم، وفي الحديث الآخر: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي ‌الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا ‌اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه، وَالْحَاكِمُ.

وإن كنت تعنين براءة ذمتها فيما أوصت به لبعض ورثتها من المال بعد موتها؛ فإن الوصية للوارث ممنوعة شرعًا، وغير نافذة، إلا إذا أمضاها بقية الورثة، كما بيناه في الفتوى: 284611.

وهي صورة من صور الإضرار في الوصية؛ لأن فيها حرمانًا لورثتها الآخرين، كأخيها، قال ابن عطية في المحرر الوجيز عن الإضرار في الوصية: ووجوه المضارّة كثيرة، لا تنحصر، وكلها ممنوعة: يقر بحق ليس عليه، ويوصي بأكثر من ثلثه، أو لوارثه. اهـ.

والإضرار في الوصية من الكبائر، كما بينا في فتاوى سابقة، وقد أحسنت كذلك بتصحيح خطئها في تلك الوصية الجائرة، فمكّنت الورثة من أخذ نصيبهم من ذلك المال، فقد قال تعالى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:182}.

وإذا تنازل خالك لك عن نصيبه من ذلك المبلغ، فلا حرج عليك، ولا عليه، ويعتبر هذا التنازل إمضاء منه لتلك الوصية.

ونرجو أن تبرأ ذمة أمّك بذلك، وكذا تُعذر -رحمها الله تعالى- إذا أخطأت في فهم كلام الشيخ الذي أخبرها بجواز إعطائكم المال في حال صحتها؛ فظنت أن هذا يشمل الوصية للوارث بعد موتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني