الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين القضاء والمقضيّ في الرضا به

السؤال

هناك فتوى لكم تقولون فيها: إنه لا يجب أن يرضى المؤمن بكل ما يقضيه الله؛ لأن هناك أشياء ممقوتة -كالكفر، والعصيان، وغيرها-، وفي كثير من فتاويكم تقولون: إنه يجب على المسلم أن يرضى بكل ما قضى الله، في حين أن المعصية بقضاء الله وقدره، وأنه لا يجوز لي أن أرضى بالمعصية، وتقولون: إنه لا يجوز الحمد على المعصية، ولكننا نحمد الله على كل قضاء قضاه وكتبه علينا، فهل معنى الحديث الذي فيه حمد الله على كل حال، والاستعاذة به من حال أهل النار: أن حال أهل النار يجب الحمد عليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثنه؟ أريد أن أموت على الإسلام، ولا أريد أن أعيش حياتي ظانًّا إسلامي وأتفاجأ في الآخرة بعكس ذلك، أنا واثق بكم، وما ستجيبونني به سأصدقه. رضي الله عنكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي يزيل عنك هذا الإشكال أن تعلم أن هناك فرقًا بين القضاء والمقضي، فالقضاء -الذي هو فعل الله- يجب الرضا به جميعه؛ حتى بما يقدره من الشرور والمعاصي من حيث كون تقديرها فعلًا له جل وعلا، ومن حيث إفضاؤها إلى الحكم المحمودة، والغايات الشريفة، التي لا يمكن حصولها لولا تقدير هذه الأمور، وأما المقضي في ذاته -وهو الكفر، والمعصية، وما يمقته الله مما هو خلق له-، فعلينا أن نبغضه ونمقته، كما أن الله جل اسمه يمقته ويبغضه، وقد بين ابن القيم هذا المعنى، فقال: الحكم والقضاء نوعان: ديني، وكوني:

فالديني يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام.

والكوني: منه ما يجب الرضا به -كالنعم التي يجب شكرها-، ومن تمام شكرها الرضا بها.

ومنه ما لا يجوز الرضا به - كالمعايب، والذنوب التي يسخطها الله-، وإن كانت بقضائه وقدره.

ومنه ما يستحب الرضا به -كالمصائب-، وفي وجوبه قولان، هذا كله في الرضا بالقضاء الذي هو المقضي.

وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله -كعلمه، وكتابه، وتقديره، ومشيئته-، فالرضا به من تمام الرضا بالله ربًّا وإلهًا ومالكًا ومدبرًا.

فبهذا التفصيل يتبين الصواب، ويزول اللبس في هذه المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس. انتهى.

فإذا فهمت هذا الفرق، زال عنك كل لبس تجده في فتاوانا، أو في كلام أهل العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني