الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير آية: "عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا.." وهل هناك نساء أفضل منهنّ؟

السؤال

حذّر الله نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إن طلقهنّ، أنه سيبدله الله خيرًا منهنّ، ثم ذكر أوصافًا للأزواج البديلات في سورة التحريم، من أنهنّ مسلمات مؤمنات إلى آخرها، أفليست هذه الصفات تنطبق على نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومتوفرة فيهنّ؟ فلماذا ذكرها الله؟ وما وجه التميز للأزواج البديلات فيها؟ فكل شخص لا يعلم صفات نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيفهم يقينًا أنه ينقصهنّ إحدى هذه الصفات أو كلها، وكيف يكون هناك من هنّ خيرًا منهنّ، وقد قال الله: "لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهنّ- كُنَّ مسلمات مؤمنات، وموصوفات بكل الصفات المذكورات في الآية، ولو كنَّ كافرات لما تزوجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وقعت منهنّ رِدةٌ؛ لأقام عليهنّ حَدَّها.

ولكن المقصود من الآية أن الله يزوجه إن طلقهنّ بزوجات أكثر إيمانًا وإسلامًا وقنوتًا ... إلخ.

جاء في كتاب: النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام للكَرَجي القصَّاب، المتوفى نحو 360 هــ: لا يشك أحد أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنّ لا محالة مسلمات مؤمنات، ولم يكن كوافر، فهل تكن المفضلات عليهن بالإسلام والإيمان إن طلقن يكن خيرًا منهن إلا بزيادة في الإيمان والإسلام. اهــ.

وفي كتاب: فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن لزكريا الأنصاري السنيكي (المتوفى: 926هـ): فإن قلتَ: كيف أثبت الخيرية لهنَّ بالصفات المذكورة بقوله: "مسلماتٍ" إلى آخره، مع اتِّصاف أزواجه -صلى الله عليه وسلم- بها أيضًا؟

قلتُ: المراد "خيراً منكنَّ" في حفظ قلبه، ومتابعة رضاه، مع اتصافهنَّ بهذه الصفات المشتركة بينكنَّ وبينهنَّ. اهــ.

والخلاصة: أن تلك الصفات موجودة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علم الله تعالى أن نبيه لن يطلقهنّ، ولكن أخبر تعالى مبينًا قدرته -إن طلقهنّ نبيه- على تزويجه بنساء أكثر إسلامًا وإيمانًا ... إلخ تلك الصفات المذكورة.
وهذا مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ {النساء:136}؛ فالله تعالى نادى عباده في هذه الآية بوصف الإيمان، وأمرهم أن يؤمنوا. والمعنى: ازدادوا إيمانًا، واثبتوا، واستمروا. كما ذكر أهل التفسير.

وأما السؤال: وكيف يكون هناك من هُنَّ خيرًا منهنّ .. إلخ.

فجوابه: أن الآية إخبار عن القدرة، وليس عما هو موجود، بمعنى أن الله تعالى بيّن أنه لو طلقهنّ نبيه، لأتى الله له بنساء خير منهنّ، وإن لم يَكُنَّ موجودات وقت نزول الآية، كقوله تعالى مخاطبًا الصحابة: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد:38]، مع أن الصحابة خير الناس، ولا يوجد في الأمم السابقة واللاحقة خير منهم؛ لحديث: خير الناس قرني.

قال البغوي في تفسيره: وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقُدْرَةِ، لَا عَنِ الْكَوْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إِنْ طَلَّقَكُنَّ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهُنَّ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد:38]، وهذا إخبار عن القدرة؛ لأنه ليس في الوجود أمة هي خَيْرٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني