الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراعاة الوالد من أعظم أسباب نوال رضا الله

السؤال

أنا شاب سني 22 سنة، أعاني في حياتي من العلاقات الفاشلة بداية من أبي حتى أصحابي.
وسؤالي بخصوص أبي: أمي وأبي أقارب وأمهاتهما إخوة، دارت خلافات كثيرة بين أبي وأمي لأسباب، فلجأت أمي وجدتي للمحاكم للطلاق والنفقة. وعانى أبي من مكر محامي أمي، فطلق أمي وقد لحقها المرض وتوفيت، فعشت أنا وأختي الكبيرة مع جدتي التي كانت حنونة لم تشعرني بفقد أمي، ولكنها توفيت -رحمهما الله- وأبي طول هذه الفترة حتى أتممت 17 سنة لا يسأل عني، فهو قد تزوج وأنجب ثلاثة إخوة غيري.
لقد حرمت نعمة الأب ودوره في حياتي، وكبرت وبي عقد نفسية بسبب إعراضه عني، عزمت أن أصله، فانتقلت لأعيش معه ونقلت مدرستي الثانوية، لكن عشت في بيت أبي وجدي كغريب، إخوتي يعاملوني معاملة خاصة، وأنا وأبي لا ود بيننا، ربما المعاملة بيننا تقتصر على القليل من المال فقط؛ لأن بيت جدتي -أم أمي- قد أجرته ليوفر لي المال الذي أحتاجه.
أنا الآن في جامعة أدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية، ولقد تربيت على قيم جيدة، وعزمت منذ صغري أن أستقيم على الدين.
لكن هل رأيتم عابدا صالحا عاقا لوالده، أبي ظلمني، وأنا أعطيه حقه في الطاعة والتودد، لكني الآن أعيش معه في البيت، لا أطيق النظر له. أرجوكم أنا لا أطيق ذنب عقوق الوالدين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحقّ الوالد على ولده عظيم، ولا يسقط حقّه بظلمه أو إساءته إلى ولده، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.

وعقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد. وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.
فالواجب عليك أن تبرّ والدك وتحسن صحبته، ولا يضرّك ما تجده في قلبك من النفور منه، ما دام هذا النفور لا يمنعك من برّه ولا يحملك على عقوقه.

ومما يعينك على برّ أبيك والإحسان إليه: أن تجاهد نفسك، وتستعين بالله -تعالى- وتخلص النية لوجهه، وتستحضر فضل بر الوالدين، وما جعل الله له من المكانة، وما وعد عليه من الأجر، فبر الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله ودخول الجنة.

ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد. وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني