الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الابتلاء والقدر والتكاليف فوق القدرة

السؤال

سؤالي عن آية: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وتعامل الله -سبحانه وتعالى- مع عباده من الجانب النفسي.
هل التكليف من الأساس يعني تكليف الله لعباده الفرائض؛ كالصلاة، والصوم؟ أم تكليفهم بمشاكل لاختبار تحملهم ورضاهم بما قسمه الله لهم. وبناء عليه: هل حالات الاكتئاب الشديد، وما يؤدي للانتحار من المؤمنين، وخروج المؤمن عن الملة، أو ضياع، وتخبط إيمانه بالكثير من العوامل الداخلية والخارجية؛ يصنف من ضمن تكليف الله لعبده هذه الاختبارات، وهذه العوائق ليمتحن قوة إيمانه؟ كلامي هنا عن ضعيف الإيمان الذي يبحث عما يدعم به إيمانه، ليس من يبحث عن ما يهدم إيمانه بالله.
صلب سؤالي هنا وبكل صراحة: هل يصح أن أسأل لماذا قد يكتب الله على عبد ضعيف شيئا يزعزع إيمانه بقدر ما؟ مع علم الله مقدار ضعفه، وعدم قدرته على تحمل هذا الكم من التساؤلات، والأحداث، والأفكار المتتابعة المؤثرة بشدة في ثبات المؤمن، رغم محاولاته إيجاد الحلول. وهل من الممكن أن يبحث مؤمن عن ما يثبته بمقدار احتياجه بشكل صادق، لكن بشكل ما لا يجد مبتغاه.
وعلى نفس الخط، سمعت أن القدر المكتوب للمؤمن في اختياراته مكتوب بعلم من الله بما سيختاره المؤمن، ولا يفرض على أحد اختيار أي شيء، إذن ماذا عن العوامل الخارجية والأحداث المؤثرة، والمغيرة في شخص؟
هل يمكن أن يكتب الله على عبد أمرا خارجا عن إرادته، ويفوق وسع قدرته على التحمل في ذات الوقت؟
وأستغفر الله أولًا، وأعتذر ثانيا إن كان في أسئلتي أي تعدٍ أو أسلوب لا يليق، لكن لا أعرف كيف أسأل، إلا بهذه الطريقة، ولحاجتي الشديدة للرد على هذه التساؤلات.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالابتلاء يكون بالأحكام الشرعية أمرًا ونهيًا، ويكون كذلك بالأحكام القدرية، سواء ما نكره من المصائب والشدائد كالمرض والفقر، أو ما نحب من النعم كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{الأنبياء: 35}. وقد سبق لنا بيان ذلك والحكمة منه في الفتاوى: 176801، 69481، 13270، 272722.

وأما القدَر؛ فهو جارٍ على كل شيء، سواء في خاصة الإنسان، أو في ما سماه السائل (العوامل الخارجية والأحداث المؤثرة ... ) قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}. وحقيقة ذلك وكنهه إنما هو سر من أسرار الله تعالى، وجزء من عقيدة الإيمان بالغيب، فلا ينبغي الخوض فيه، ولا البحث عن خفاياه، فإن ذلك فوق مدارك البشر، وراجع في ذلك الفتوى: 436660. للأهمية.

وأما السؤال عن إمكانية أن يُكتب على العبد ما فوق وسعه وقدرته، فإن كان ذلك في ما يتعلق بالقضاء والقدر، فقد سبق جوابه.

وأما ما يتعلق بالتكليف الشرعي، فالأمر كما قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}، ولذلك اتفق الفقهاء على أن الاستطاعة هي شرط للتكليف، وراجع في ذلك الفتوى: 290143.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني