الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الأخذ بقول من رخص في اللعب بالنرد

السؤال

قرأت فتاوى عن اللعب بالنرد. والأمر محل خلاف بين العلماء.
لكن كرهه أبو إسحاق المروزي، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمَرْوَزِيّ مِنْ أَصْحَابنَا: يُكْرَه وَلَا يَحْرُم ...
وَمَعْنَى: صَبَغَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه فِي حَال أَكْله مِنْهُمَا، وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا.
وقرأت من موقع دار الإفتاء الأردنية: فإن شعبة روى عن يزيد بن أبي خالد قال: دخلت على عبد الله بن المغفل وهو يلاعب امرأته الخضيراء بالقصاب -يعني النردشير-.
وروي عن عكرمة والشعبي أنهما كانا يلعبان بالنرد... وسئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد فقال: إذا لم يكن قماراً فلا بأس به، قال إسحاق: إذا لعبه على غير معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه، ولا يبلغ ذلك إسقاط شهادته... ويحتمل اللعب بالنرد المنهي عنه على وجه القمار" [التمهيد 13/ 180].
وللعلم فأنا لم أبحث إلا في موقعكم وموقع دار الإفتاء الأردنية؛ لأنني أعيش في الأردن، ولأنهما موثوقان.
فهل كلام أبي إسحاق المروزي وسعيد بن المسيب يشمل لعبة الطاولة؟ وهل يجوز لي الأخذ بكلامهما مع أنهما ليسا من الأئمة الأربعة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا بد من التفريق بين السؤال عن حكم المسألة، وبين السؤال عن حكم الأخذ بقول عالم معين فيها: فالأول: مبناه على الأدلة والترجيح.

وأما الثاني: فمبناه على حكم التقليد. فكل من يجوز له التقليد، يجوز له الأخذ بقول من يُعتَدُّ به من أهل العلم مما لا يخالف نصا أو إجماعا سابقا. بشرط ألا يكون ذلك تشهيًا واتباعًا للهوى، فإذا اختلف عليه المفتون، قلد الأوثق في نفسه ممن يظن أنه أقرب لإصابة الحق.

وراجع في ذلك الفتاوى: 169143، 169801، 120640.
ولا يخفى أن ظاهر الأدلة يقضي بحرمة اللعب بالنرد، وأكثر أهل العلم على القول بهذا الظاهر، ولم يخالف في ذلك إلا قلة قليلة.

قال ابن عبد البر في التمهيد: ما أعلم أحدا أرخص في اللعب بالنرد، إلا ما جاء عن عبد الله بن مغفل وعكرمة والشعبي وسعيد بن المسيب. اهـ.

وقد نقل ذلك في الاستذكار، ثم قال: وكل من خالف السنة والحق، فلا حجة في قوله ولا عمله، بل هو محجوج مخصوم بها. وجماعة الفقهاء يكرهون اللعب بالنرد، ويحرمون القمار بها وبغيرها. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ما خلا من القمار، وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين، ولا من أحدهما، فمنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح. فأما المحرم ‌فاللعب ‌بالنرد. وهذا قول أبي حنيفة، وأكثر أصحاب الشافعي. وقال بعضهم: هو مكروه، غير محرم. اهـ.
وقد غلط الشافعية أنفسهم قول أبي إسحاق المروزي بالكراهة، وفسر بعضهم الكراهة بالتحريم، حتى إن ابن حجر الهيتمي الشافعي، قد عد اللعب بالنرد من الكبائر، في كتاب الزواجر، وذكر أدلة ذلك، ثم قال: عدُّ هذا هو ظاهر هذه الأخبار ... وبذلك صرح في البيان نقلا عن أكثر الأصحاب فقال: أكثر أصحابنا يحرم اللعب به، وهو المنصوص في الأم، ويفسق به وترد به الشهادة. انتهى.

وسبقه إلى ذلك الماوردي، فصرح به في حاويه، وعبارته: الصحيح الذي ذهب إليه الأكثرون تحريم اللعب بالنرد، وأنه فسق ترد به الشهادة. انتهى. وتبعه الروياني في البحر على عادته، فقال: بعد قول الشافعي في المختصر: "وأكره اللعب بالنرد للخبر": قال عامة أصحابنا: ‌يكره ‌اللعب ‌بالنرد وترد به الشهادة، والكراهة للتحريم. وقال أبو إسحاق: هو كالشطرنج سواء. وهذا غلط. انتهى .. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: قال أحمد: النرد أشد من الشطرنج. وإنما قال ذلك؛ لورود النص في النرد، والإجماع على تحريمها، بخلاف الشطرنج. اهـ.

وقال المناوي في «فيض القدير»: قد ‌اتفق ‌السلف ‌على ‌حرمة ‌اللعب به، ونقل ابن قدامة عليه الإجماع، ولا يخلو عن نزاع. اهـ.
وهنا ننبه على أن أهل العلم قد اختلفوا في تعريف النرد، وبعضهم قد خصه بما يعرف بالطاولة التي تسأل عنها السائلة، وراجعي في ذلك الفتوى: 370183.

وقال عليش في تعريف النرد في «منح الجليل شرح مختصر خليل»: آلة مربعة مخططة يلعب عليها بفصوص، ويقال لها نردشير، وتسمى في ‌عرف ‌مصر ‌طاولة. فمباشر لعبها لا تقبل شهادته ولو مرة بغير قمار؛ لحديث: «من لعب بالنردشير فكأنما وضع يده في لحم خنزير ودمه».

وحديث: «ملعون من لعب بالنردشير». اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني