الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يأثم الداعية إن بيّن الصوابَ للشخص الذي يعتقد اعتقادات فاسدة وأدّى ذلك لردّته؟

السؤال

إذا ارتدّ شخص عن الإسلام، واعتنق معتقدًا آخر بسببي؛ لأني أخبرته بتشريعات صريحة في الإسلام لا توافق أفكاره الإنسانية، فهل آثم لتوضيحي له أحكام الإسلام العظيم، أم أدعه لجهله داخل إطار الإسلام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن كان يعتقد اعتقادًا كفريًّا منافيًا لصريح الإسلام؛ فالواجب أن يبيّن له، ويشرح له حقيقة الأمر، ولا يترك وجهله؛ لأن هذا من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وليكن البيان له بالحكمة، والموعظة الحسنة، وتحرّي بيان محاسن هذا الدِّين العظيم، وأنه لم يدع خيرًا إلا دلّ الناس عليه، ولم يدع شرًّا إلا حذّر الناس منه.

وبيان زيف تلك الأفكار المنافية للإسلام، وأنها مبنية على شفا جرف هار، وأنه لا يمكن مقارنتها بفلسفة الإسلام العظيمة، ونظرته الشاملة للإنسان والحياة.

فإذا فعلت هذا؛ فقد أدّيت ما عليك، وليس عليك أن تثمر دعوتك ثمرتها؛ فإنما وظيفة الداعية أن يبلّغ عن الله، ويتحرّى الأسلوب الأمثل في البلاغ، حريصًا على هداية المدعو. فإن استجاب وامتثل؛ فالحمد لله. وإن كانت الأخرى؛ فقد أدّى ما عليه، وبرئت ذمّته من التبعة، قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ {الغاشية:21-22}، وقال جل اسمه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {البقرة:272}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وليس لأحد أن يشوّه وجه الإسلام، أو يغيّر حقائقه، أو يعرضه بصورة مزيفة؛ ليستجلب تعاطف الناس، أو حتى دخولهم في دِين ليس هو الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، بل الواجب الدخول في جميع تعاليم الدِّين وعقائده، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {البقرة:208}، قال ابن كثير: يقول الله تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِرَسُولِهِ أَنْ يَأْخُذُوا بِجَمِيعِ عُرَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، وَالْعَمَلِ بِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكِ جَمِيعِ زَوَاجِرِهِ، مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ ذَلِكَ. انتهى.

فإن فرض أن هذا الشخص لديه أفهام مغلوطة عن الدِّين؛ فبيِّن له الصواب، لكن بأسلوب حسن، وأظهِر له حكمة ذلك التشريع.

ولا إثم عليك إن أدّى ذلك إلى خروجه من الإسلام؛ لأنك تكون قد بلغت الدِّين الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني