الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عاهدت الله ألا ترجع للتعليم ووالدها يريد أن ترجع

السؤال

أمي توفيت قبل ثمانية أشهر، وعند وفاتها عاهدت الله -عزّ وجل- أن لا أرجع إلى التعليم أبدا، ولا إلى وظيفتي؛ لأن ذلك الأمر أخذ من وقتي، ولم أعط أمي -رحمها الله- حقها في العناية والاهتمام، كما عهدت أن أعطيها قبل دخولي التعليم والوظيفة. وهذا آلمني جدا، وتبت إلى الله -عز وجل- بتركي ما أشغلني، وأشغلت نفسي بالعبادة والطاعة. الحمد لله.
لكن الوالد -حفظه الله- لم يُرضه الأمر، ويشعر بالعكس، أنني تركت كل شيء، وأجلس في البيت بلا فائدة، ويريدني أن أرجع إلى وظيفتي وعملي.
سؤالي: هل عليَّ أن أستجيب لرغبة والدي؟ أي: لن يكون ذلك نقضا لعهدي مع الله -سبحانه وتعالى- ونقضا لتوبتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: لا يشترط لتوبتك من التقصير في خدمة أمك أن تتركي العمل الذي شغلك عنها، وشروط التوبة معروفة، وأعظمها الندم، وفي الحديث: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. رواه أحمد، وابن ماجه، وغيرهما.

قال القاري في شرح حديث: الندم توبة: أَيْ: رُكْنٌ أَعْظَمُهَا النَّدَامَةُ، إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَنَ. اهــ

فإذا ندمت على التقصير في خدمة الوالدة؛ فهذه توبة لا تتوقف على ترك العمل.

وأما عهد الله على ترك العمل، فالمفتى به عندنا أن عهد الله على ترك شيء، أو فعله؛ يجري مجرى اليمين، فمن نقض عهده مع الله فيه؛ كفر كفارة يمين، وانظري الفتوى: 428503.

وعليه؛ فإن رجعت إلى العمل، فعليك كفارة يمين، وإذا كان عملك مباحا، لا محظور فيه، فلعل الأولى أن تطيعي والدك في العودة إليه، لأن الحنث في اليمين ليس معصية، إلا إذا كانت يمينا على ترك محرم، أو على فعل واجب، كما بيناه في الفتوى: 394039.

ويمينك ليست كذلك، بينما طاعة الوالد في غير معصية واجبة، وقدمنا في فتاوى سابقة أن الوالد يطاع في المباح والمكروه، بل وفي الشبهات عند جمع من العلماء.

جاء في الشرح الصغير: وَيُطِيعُ الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ. اهــ

وجاء في الفروق للقرافي: قال الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ، لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ، وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ أَيْ تَرْكُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ أَيْ فِعْلِهِ.. اهـ

وقال النووي في شرح مسلم: وَقَدْ أَوْجَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ طَاعَتَهُمَا فِي الشُّبُهَاتِ. اهـ

فإذا أمرك والدك بالعودة إلى العمل، وكان عملك مباحا، لا يكتنفه شيء من المحرمات -كالاختلاط المحرم، والخروج بلباس لا يوافق الحجاب الشرعي-، فأطيعي والدك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني