الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ترجع الدعوة على الداعي ظلما؟

السؤال

إذا دعا شخص على شخص ظلما. فهل ترجع الدعوة على الظالم؟
بمعنى أنه لو دعا شخص على شخص بأن يسقط عليه حجر. فهل يسقط الحجر على الظالم الذي دعا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا أن الدعاء على الآخرين بغير حق لا يستجاب في الأصل، كما في الفتوى: 21067.

وقد يستجاب ويأثم، أو يعاقب الداعي، كما في الفتوى: 310303.
وأما أنه ينقلب الدعاء عليه، فهذا لم يرد في الشرع -حسب علمنا- ما يدل عليه صراحة، لكن الدعوة باللعن وهو الطرد من رحمة الله جاء ما يدل على أنه إذا لم يكن الشخص الملعون مستحقا للعن، رجعت الدعوة على الداعي، ففي الحديث: لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ. رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني.

وعلى أي حال، فالجزاء من جنس العمل، فلا يبعد أن ينعكس الضرر عليه، فيتضرر الداعي ظلما من تلك الدعوة.

جاء في بريقة محمودية للخادمي -الحنفي- رحمه الله تعالى: الدُّعَاءَ عَلَى شَخْصٍ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَصْلًا، أَوْ اسْتَحَقَّ بِمَا دُونَ ما دَعَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ، بَلْ قَدْ يُرَدُّ عَلَى نَفْسِ الدَّاعِي فَيَنْعَكِسُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ إنَّمَا يَكُونُ مِثْلَهَا، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلِ مَا اُعْتُدِيَ بِهِ عَلَيْهِ. اهــ.
وقال أيضا: دُعَاءَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِن الْمَكَارِهِ كَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ أَصَابَهُ، فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّهِ، وَإِلَّا فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّ الدَّاعِي، فَيُصِيبُهُ، فَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ شَرْعًا لَا يَضُرُّهُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ يَضُرُّ الدَّاعِيَ، لَكِنَّ ظَاهِرَ بَعْضِ الْآثَارِ، بَلْ النُّصُوصِ: أَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ كَقِصَّةِ بَلْعَمَ فِي حَقِّ مُوسَى -عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ، بَلْ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَوْ أَكْثَرِيَّةٌ. اهــ.

وننبه أخيرا إلى أن ما ورد من أن الملك يقول للداعي "ولك بمثل" إنما هو في الدعوة للغير بالخير لا بالشر، ففي الحديث: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني