الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماهية ضرب الزوجة الناشز والمقصود منه

السؤال

تساؤلي هو عن سورة النساء الآية 34. حيث قال الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34). أنا كُلي ثقة كبيرة وتامة في كلام الله، ومتأكدة أن من ورائه حكمة عظيمة. لذا فأتمنى أن توضحوا لي هذه المسأله لأنني أريد أن أفهمها.
هل حقا المقصود بـ "واضربوهن" هو الضرب غير المبرّح؟ وإذا نعم، فلماذا؟ لأنني حقا ليس لدي الفهم الكافي كيف سوف يحل الضرب غير المبرّح الأمور، بل أتخيل أنه سيؤدي إلى تمرد المرأة، ومشاكل مع زوجها؛ لذا فأحاول أن أفهم ذلك. لماذا قد يضرب الرجل زوجته ضربا غير مبرح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على ما ذكرت من ثقتك في كلام الله -عز وجل- واعتقادك أن كل حكم وراءه حكمة، وهذا هو الواجب تجاه أحكام الله الشرعية، فلا شك في أنها صادرة عن علم وحكمة، فأقوال الله -سبحانه- كلها صدق، وأحكامه كلها عدل، قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {الأنعام:115}،أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام.

والتسليم لهذه الأحكام واجب عُلِمت الحكمة أم جُهِلت، كما قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.

ولا بأس بالتماس الحكمة بعد الرضا والتسليم؛ ليزداد المرء يقينا على يقينه.

وهذ الضرب المأذون فيه عند نشوز الزوجة هو الضرب غير المبرح، كما بينته السنة النبوية، والمقصود به نوع من الضرب اليسير. روى الطبري عن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك، وشبهه، يضربها به.

وإنما كان على هذا النحو اليسير لكونه ليس مقصودا منه الإيذاء والإيلام، ولكن المقصود منه التهذيب، وتقويم السلوك، والتنبيه على الخطأ. قال القرطبي في تفسيره: فإن المقصود منه الصلاح لا غير. هـ.

وهو -أي الضرب غير المبرح- بلا شك أسلوب للعلاج، وإلا لما جاء به الشرع، ولكنه ليس علاجًا في كل الحالات، بل يختلف الأمر من امرأة لأخرى، كما بين العلماء.

قال ابن العربي في أحكام القرآن: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَا يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُقْرَعُ بِالْعَصَا، وَالْحُرَّ تَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ؛ وَمِن النِّسَاءِ، بَلْ مِن الرِّجَالِ مَنْ لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْأَدَبُ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ، وَإِنْ تَرَكَ فَهُوَ أَفْضَلُ. اهـ.

ومن لا يصلحها الضرب على الوجه المشروع يمكن أن يستخدم معها غيره من الوسائل التي جاء بها الشرع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني