الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لزوم الأدعية الجامعة وسؤال الله تيسير الخير حيث كان فيه مصلحة عظيمة

السؤال

من جملة دعائي أن أقول: "اللهم ارزقني كذا وكذا، واجعله خيرًا لي في دِيني ودنياي وآخرتي"، ويكون السؤال حول قضية كبيرة، كمال كثير على صفة معينة، وأكمل دعائي فأقول: "اللهم وأسألك إنك قد قضيت وقدرت قبل خلق السماوات والأرض أن تجعل هذه المسألة خيرًا لي في دِيني ودنياي وآخرتي، وسببًا لفرج كربي وسعادتي في الدارين، وخلقتني على صفة لا يكون بها عليّ هذا الأمر فتنة، ويكون سببًا لوصولي إلى أعظم ما أرجو في الآخرة"، وهذه الأمور من الأمور التي يكون لي فيها اضطرار، مع كبر شأنها، لكنني أشعر أن في هذه الطريقة من الدعاء بعض الانحراف من جهة الاعتقاد؛ فقد حدّدت في الدعاء ما تكون فيه حكمة الله، وكأن في هذه المسألة احتيالًا، كما أنه لو جاز السؤال بهذه الطريقة؛ لما بقي اعتداء في الدعاء، فما يمنع الله من الاستجابة لسؤالي أكبر الخوارق إن كانت خيرًا لي؟ فإن كان هنالك خطأ، فاشرحوه لي، ودلّوني عليه، وعلى ما جهلته، إن وجد؟ وهل السؤال بهذه الطريقة جائز بأشكال معينة واعتداء في حالات أخرى؟ كما أستفسر عن جواز سؤال الرزق من غير سعي بالحظ لمن يعجز عن السعي لمرضه. وفقكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأحسن أن تفوّض أمورك كلها لله، وتسأله تيسير الخير حيث كان؛ فإن أحدًا لا يدري أين يقع الخير، والعبد قد يتمنى ما فيه ضرره، والعكس، وقد قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

فلزوم الأدعية الجامعة، وسؤال الله تيسير الخير حيث كان، فيه مصلحة عظيمة، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: فاحذر كل الحذر أن تسألَه شيئًا مُعيّنًا خِيرتُه وعاقبتُه مغيبةٌ عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بُدًّا؛ فعلِّقه على شرط علمِه - تعالى - فيه الخيرة، وقدّم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه، ولا قدرة له عليها، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها، ولا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، بل إن وُكِل إلى نفسه، هلك كل الهلاك، وانفرط عليه أمره. انتهى.

وعلى كل؛ فليس سؤالك هذا الشيء بعينه -إن كان مباحًا- محظورًا، فإن شئت دعوت الله به.

لكن الأولى - كما ذكرنا - أن تعلّق ذلك بعلم الله الخير لك في هذا الأمر.

ولا حرج في أن تقول: "ارزقني كذا، واجعله خيرًا لي"، وإن كان الأولى ما قدّمناه لك.

وأما قولك في دعائك: "إنك قد قضيت وقدّرت أن يكون ذلك خيرًا لي"؛ فغلط جزمًا؛ فإنه لا علم لك بما قدّره الله تعالى أزلًا؛ فعليك أن تترك هذا اللفظ، فقول القائل: "إنك قد قدّرت كذا، اجتراء على الغيب، واعتداء في الدعاء"؛ فلا يجوز ذلك في قليل الدعاء وكثيره.

وأما سؤال الرزق، وإن كان الشخص عاجزًا من حيث الأسباب؛ فلا حرج فيه، والله على كل شيء قدير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني