الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذِكْر الميتِ بما كان يجاهِرُ به من المعاصي

السؤال

إذا كانت إحدى الفتيات تعصِي الله، وتعيش حياةً بعيدةً عن الدِّين، وتفعل الكثير من المنكرات -مثل الرقص، وشرب الخمر، ومخالطة الرجال، والتعرّي-، وتجاهر بكل هذا بنشر صورها، وهي تفعل هذه المنكرات على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والكثير من أقاربها ومعارفها يعلمون عنها هذه الأشياء، ولا يقدرون على فعل شيء، وكانت أيضًا تقضِي أيامًا وأسابيع خارج منزلها، ووالدها لا يعلم أين هي؛ حتى إنه ذهب إلى قسم الشرطة للبحث عنها، واكتشف أنها تسافر مع أصدقائها، وتمكث معهم؛ ولأن والدتها كانت تدافع عنها، لم يقدر على فعل شيء لها، وظلّ هذا الأمر يتكرر.
وفي أحد الأيام حدث لهذه الفتاة حادث أليم، قُتِلت بطريقة بشعة وأليمة، وانتشر مقتلها بين الكثير من الناس، ورأى الناس هذا الحادث مصوّرًا، ثم بعد ذلك بدأ الناس يبحثون عن الفتاة؛ فعلموا حياتها، وما كانت تفعله، وظهر عدد من أصدقائها يتحدّثون عنها، وهؤلاء الأصدقاء بعض منهم يتبع الشذوذ، والإلحاد، ومن المفترض أن هذه الفتاة كانت مُسلِمة، فإذا تحدّث الناس عنها، وحكوا فيما بينهم عن هذه الأمور التي كانت تفعلها؛ بغرض أخذ العبرة والنصيحة للغير، والتذكرة للعمل لحسن الخاتمة، فهل ذلك حرام؟ أي هل الحديث عن أفعالها وصفاتها هذه يكون حرامًا، وخوضًا في العِرْض؟ خاصة أن كانت هذه الحادثة انتشرت بشكل كبير، وأصبحت قضيةً كبرى، وقضية رأي عام.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل هو وجوب الإمساك عن سبّ موتى المسلمين، وتَحاشِي ذِكْر أفعالهم السيئة؛ لما جاء في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضَوا إلى ما قدّموا. أخرجه البخاري.

لكن إن كان ذكر أفعال الموتى المجاهرين بالسوء لمصلحة شرعية -كالتحذير، والتنفير من أفعالهم-؛ فحينئذ لا حرج في ذِكْرها، ويدلّ لذلك حديث أنس بن مالك، قال: مرّ بجنازة، فأُثنِيَ عليها خيرًا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت، ومرَّ بجنازة فأُثنِي عليها شرًّا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت. قال عمر: فِدىً لك أبي وأمّي، مرّ بجنازة، فأثني عليها خير، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، ومرّ بجنازة، فأثني عليها شرّ، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسل-: من أثنيتم عليه خيرًا؛ وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا؛ وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض. أخرجه البخاري ومسلم.

قال النووي في الأذكار: واختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال، أصحّها وأظهرها: أن أموات الكفار يجوز ذِكْر مساويهم. وأما أموات المسلمين المعلِنين بفسق، أو بدعة، أو نحوهما، فيجوز ذكرهم بذلك، إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه؛ للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة؛ لم يجز. وعلى هذا التفصيل تنزّل هذه النصوص، وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة. اهـ.

فلا يجوز ذكر تلك الفتاة -رحمها الله- بما كانت تُجاهِر به من سوء، إلا لمصلحة شرعية، لا لمجرد التسلية.

وراجعي للفائدة الفتويين: 133679، 238444.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني