الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين العفو عن الظالم والانتصار منه

السؤال

ما الفرق بين قول الله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"، وقوله تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"؟
متى أعفو وأكظم، ومتى أشتكي الظلم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالفرق بين الآيتين الكريمتين أن الآية الكريمة الأولى في بيان مقام العفو وكظم الغيظ، وهذا إحسان، بينما الآية الثانية جاءت في بيان جواز الانتصار من الظالم، وهذا عدل.

ولا شك أن مقام الإحسان الذي دلت عليه الآية الأولى أرفع من مقام العدل الذي دلت عليه الآية الثانية.

وبيان ذلك أن الشرع قد أذن في الانتصار برد المرء على سابِّه بقدر ما سبَّه، لكن العفو عن السابِّ أفضل من الانتصار، وقد ذكر الله تعالى المقامين في الآية المذكورة في السؤال، والآية التي بعدها مباشرة.

فقال جل من قائل: لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {سورة النساء: 148ــ149}.

فقوله تعالى :لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، هذا عدل، ثم رغب في الإحسان بالعفو فقال: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا.

قال صاحب أضواء البيان وهو يذكر الآيات الكثيرة التي جمعت بين المقامين: مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ وَالتَّفَضُّلِ بِالْإِحْسَانِ، قَوْلُهُ: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [16 126] ، فَهَذَا عَدْلٌ، ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [16 126].
وَقَوْلُهُ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [42 40] ، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ [42 40].
وَقَوْلُهُ: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [5 45] ، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [5 45].
وَقَوْلُهُ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. . . الْآيَةَ [42 43] ، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [42 43].
وَقَوْلُهُ: لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [4 148] ، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [4 149] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. اهـــ.

إذا تبين لك هذا أختي السائلة؛ فإن عفوك عمن ظلمك أفضل من الرد عليه بالمثل، إلا في بعض الحالات التي يترتب على العفو فيها زيادة شر المعتدي، وتماديه في الظلم.

وانظري التفصيل في الفتوى: 355846، والفتوى: 386362، والفتوى: 316558، والفتوى: 278878، والفتوى: 278515.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني