الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من الغيبة ذكر الشخص بحضوره بما يكرهه بلغة لا يفهمها؟

السؤال

هل التكلم عن شخص بكلام يكرهه أثناء حضوره، بلغة لا يفهمها، يُعدُّ من الغيبة؛ لأن حضوره كالعدم حينئذ، إذ لا يفهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكلام في المرء بما يكره لا يجوز، سواء أكان حاضرا أم غائبا، وسواء فهم الكلام إن كان حاضرا، أم لم يفهمه.

فأذية المسلمين وشتمهم، والوقيعة في أعراضهم بلا مسوغ، من أعظم ما نهى الله -تعالى- عنه، ورسوله صلى الله عليه وسلم. يقول قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1].
وقال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه. رواه مسلم.

وعليه، فلا يجوز للمرء أن يتكلم في أخيه بما يكره ولو كان المتكلم فيه لا يسمع الكلام، لصمم أو انشغال، أو كان الكلام بلغة لا يفهمها. فكل ذلك مما يتناوله النهي سواء قيل بكونه غيبة أو لا؟ فسب المسلم وشتمه محرم، ولوكان بغير الغيبة.

وأما هل يعتبر مثل هذا من الغيبة إذا كان الشخص لا يسمع الكلام، أو لا يفهم اللغة التي تكلم بها في حضرته بشيء يكرهه.

فالظاهر أن ذلك داخل في حد الغيبة؛ لأن حضوره هنا غير معتبر إذا كان لا يسمع الكلام لصمم، أو لا يفهم اللغة المتكلم بها فيكون الكلام فيه بما يكره غيبة؛ لأن المقصود بالحضور أن يسمع ويفهم، وليست العبرة بجسده، بل بِسَمْعه وفهمه. فهذا هو ما يختلف به الحال، فإن كان لا يسمع، أو لا يفهم إما لاختلاف اللغة مثلًا، أو لبطء في فهمه، أو لسوء في فهمه، فحضوره كغيبته. فيكون الكلام عنه بما يكره في حضرته بلغة لا يفهمها، من حَدِّ الغيبة.

فقد نص بعض أهل العلم على أن كلام اثنين دون الثالث بلغة لا يفهمها، من جملة التناجي المنهي عنه إن كان يحزنه ذلك. فجعلوا سماعه لما لا يفهم، كعدم سماعه.

فقد عرف النووي -رحمه الله تعالى- التناجي في «رياض الصالحين»، فقال: هُوَ أن يتحدثا سِرًّا بحيث لا يسمعهما. وفي معناه: ما إذا تحدثا بلسان لا يفهمه. اهـ.

وقال الألوسي في روح المعاني: ومثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث، إن كان يحزنه ذلك. اهـ.

وعلى هذا، فالحديث في المرء بما يكره في حضرته بلغة لا يفهمها، يعتبر من الغيبة على القول بأن الغيبة هي ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب.

وأما على القول بأن الغيبة هي ذكر المرء بما يكره في غيبته أو حضوره، فالصورة المسؤول عنه داخلة قطعا.

قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الغيبة أن تذكر مسلما، أو ذميا معيَّنًا للسامع، حيا أو ميتا، بما يكره أن يذكر به مما هو فيه، بحضرته أو غيبته. انتهى.

وخلاصة القول أن الكلام في الشخص بما يكره بغير حق، محرم قطعا، سواء أكان حاضرا أم غائبا، وسواء أكان بلغة يفهمها أم بلغة لا يفهمها.

وذكره بما يكره في حضرته بلغة لا يفهمها، داخل في حد الغيبة، على الظاهر.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني