الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من التجسس على الوالد وسوء الظن به وهجره

السؤال

أنا فتاة صالحة -ولله الحمد-. اكتشفت أن أبي يتكلم مع النساء، حيث ألقيت نظرة على هاتفه؛ لأني كنت شاكَّة، وانصدمت كثيرا حيث وجدته يتكلم عن أشياء جنسية. لكن أبي عندما يجلس معي يتكلم على أنه شخص تقي، وهو ليس كذلك.
سؤالي هو: ماذا يجب أن أقول لأبي؟ أريد أن أقول له: رأيت محادثاتك، ولكنني خائفة؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فأنا الآن لا أتحدث معه أبدا، ويناديني ولا أستجيب له. قلت: ربما يتعظ، ولكنه لا يزال كما هو.
وأيضا أحيانا قليلة أجلس وأقول له: على الأب أن يكون صالحا، ويقول لي: إنه صالح. يعني قلت له بعض القصص، ويجيبني على أنه تقي. أخبرت أمي، وقالت لي: أعرفه أنه هكذا، وأختي قالت لي: ليس بيدنا حيلة، نعيش معه هكذا، ولكنني غير مطمئنة لكلامهم.
فأرجوكم أخبروني ما هو التصرف الذي أتخذه تجاه أبي؟ فليس ما يفعله مجرد محادثات فقط، وإنما يفعل الحرام، وأحيانا لا ينام في المنزل، وعندما يرجع توبخه أمي، ويرد عليها بكل برود أنه لم يفعل أيَّ شيء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنهنئك على ما أنعم الله -عز وجل- به عليك من السير على طريق الصلاح، وسلوك سبيل الاستقامة، ونسأله سبحانه أن يحفظك، ويحفظ لك دينك، وأن يزيدك هدى، وتقى، وصلاحا.

وما أقدمت عليه من البحث في هاتف والدك لمجرد شكك في أنه يحادث بعض النساء الأجنبيات أمر لا يجوز، وهو نوع من التجسس الذي ورد الشرع بالنهي عنه وتحريمه، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والظنَّ، فإن الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا...... الحديث.

واتهامك له بأنه يفعل الحرام لمجرد كونه يبيت خارج المنزل نوع من سوء الظن، وهو منهي عنه أيضا كما في الأدلة السابقة، ويعظم الإثم إن كنت تتهمينه بالزنا؛ لأن هذا يترتب عليه القذف، وقد ورد فيه وعيد شديد أوضحناه في الفتوى: 93577. فالواجب عليك المبادرة للتوبة النصوح.

والوالد يجب بِرُّه ولو أساء، ومن أعظم بِرِّك به الدعاء له بالخير والصلاح؛ عسى الله أن يجعل دعوة صالحة منك سببا لرجوعه إلى الله وإنابته، ورب العزة والجلال قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وما اطلعت عليه من أمر منكر يفعله، فناصحيه فيه بالحسنى، وبالوسيلة التي تناسب مقام الأبوة. فإذا انتصح؛ فالحمد لله، وإلا فدعيه.

جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى..

ولا يجوز لك هجره بحال، فإن ذلك من العقوق، فتجب التوبة منه.

وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 435385، والفتوى: 75249.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني