الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تصح التوبة إذا كان يصحبها حظ دنيوي؟

السؤال

أنا شخص كنت أعصي الله علنا، ولكن وقعت في حب فتاة ملتزمة، وأردت الزواج منها، لكن خشيت بأن أُرفض لضعف ديني. لذلك قررت التوبة إلى الله بغية أن يصلح حالي، وأستطيع الزواج منها. ولكن أحد اصدقائي قال بأن توبتك لن تقبل؛ لأنها كانت لغير الله. هل هذا صحيح؟ ويعلم الله أني أحبها، وأردتها بالحلال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة النصوح، ويرزقك الهدى والتقى والصلاح، ويوفقك للزواج من هذه المرأة الصالحة، أو غيرها من الصالحات.

والواجب عليك المبادرة للتوبة النصوح المستوفية لشروطها، فالتوبة من المعاصي واجبة على الفور.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها؛ سواء كانت المعصية صغيرة، أو كبيرة. اهـ.

وقال ابن القيم في مدارج السالكين: المبادرة إلى التوبة من الذنب، فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخّرها، عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب، بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقلّ أن تخطر هذه ببالِ التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب، لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة. اهـ.

وللتوبة شروط لا تصح إلا بها، ومن أهم شروطها أن تكون خالصة لله -عز وجل-، أي يكون المقصد الأساسي رضاه سبحانه، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {البينة:5}، وراجع للمزيد الفتوى 5450.

وإذا كان رضا الله هو المقصد الأساسي من التوبة ابتغاء وجه الله سبحانه؛ فلا يضر أن يكون المقصد الدنيوي على سبيل التبع.

قال الطاهر بن عاشور في تفسيره: فأما إن كان للنفس حظ عاجل، وكان حاصلا تبعا للعبادة، وليس هو المقصود فهو مغتفر، وخاصة إذا كان ذلك لا تخلو عنه النفوس، أو كان مما يعين على الاستزادة من العبادة.... انتهى.

والممنوع أن يكون الحظ الدنيوي هو المقصد الأساسي، قال أبو العباس القرطبي في المفهم: المخلِصُ في عباداته هو الذي يُخلصها من شوائب الشركِ والرياء. وذلك لا يتأتى له إلا بأن يكون الباعثُ له على عملها قصدَ التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء ما عنده. فأما إذا كان الباعثُ عليها غير ذلك من أعراض الدُّنيا؛ فلا يكونُ عبادة، بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها، فإما كفرٌ، وهو: الشرك الأكبر، وإما رياء، وهو: الشركُ الأصغر.... انتهى

ولمزيد الفائدة انظر الفتوى: 245494.

وننبه إلى أمرين:

الأول: أن الزواج من أفضل ما يرشد إليه المتحابان، روى ابن ماجه عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لم ير للمتحابين مثل النكاح.

الثاني: أن المجاهرة بالمعصية أخطر من الإسرار بها، ولذلك جاء فيها وعيد خاص، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني