الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء فيمن حلف أيمانا كثيرة وحنث ولم يكفر عنها

السؤال

في شبابي كنت مدمنا للأفلام الإباحية، مدة 4 سنوات، وفي تلك الفترة كنت كلما أتوب من الذنب أعود إليه، والمشكلة أنني كنت كلما أتوب أعاهد الله، أو أحلف على أن لا أعود للذنب، ولكنني أعود له كل مرة، فهل علي كفارة واحدة، أو كفارة لكل يمين، علما أنني إذا حاولت أن أقدر عدد المرات التي حلفت فيها، ثم عدت للذنب أجدها قرابة 200 مرة، والتي من المستحيل جدا علي تكفيرها؟ أرجو أن تتفهموا حالتي؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمسألة تعدد الأيمان، وهل تجب الكفارة في كل يمين منها، أو تجب كفارة واحدة في الأيمان كلها؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، ونقتصر هنا على ما يتعلق بمحل السؤال، حسبما اتضح لنا منه، وهو أنك كنت تحلف على أن لا تشاهد تلك الأفلام، ثم تشاهدها، فتحنث، ثم تحلف على أن لا تشاهدها ثانية، ثم تحنث، وتشاهدها، وهكذا، وإذا كان كذلك، وأنت لم تكفر عن شيء منها، فالجمهور على أنه تلزمك كفارات بعددها، لأنها أيمان مختلفة، فكفاراتها متعددة، وانظر الفتوى:290281.

وذهب الحنابلة إلى أنه لا تلزمك غير كفارة واحدة عن تلك الأيمان جميعا، قال المرداوي في الإنصاف: قوله: ومن كرر أيمانا قبل التكفير: فعليه كفارة واحدة ـ يعني: إذا كان موجبها واحدا، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، منهم القاضي، وذكر أبو بكر: أن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ رجع عن غيره، قال في الفروع: اختاره الأكثر، وجزم به في الوجيز، وغيره، وقدمه في المحرر، والنظم، والرعايتين، والحاوي الصغير، والفروع، والهداية والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، وغيرهم، قال ناظم المفردات: هذا الأشهر، وهو من مفردات المذهب، وعنه: لكل يمين كفارة، كما لو اختلف موجبها، ومحل الخلاف: إذا لم يكفر، أما إن كفر بحنثه في أحدها، ثم حنث في غيرها: فعليه كفارة ثانية بلا ريب. اهـ.

وجاء في منار السبيل في شرح الدليل: ومن حنث، ولو في ألف يمين بالله تعالى، ولم يكفر: فكفارة واحدة، نص عليه، لأنها كفارات من جنس، فتداخلت كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها. اهـ.

ولا حرج عليك ـ إن شاء الله تعالى ـ في العمل بهذا القول، لمشقة الكفارة عن تلك الأيمان جميعا ـ كما ذكرت ـ وممن رجح جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة السبكي ـ رحمه الله ـ قال في قضاء الأرب: يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات، عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. انتهى..
وكفارة اليمين هي على التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجز عن أحد هذه الخصال فليصم ثلاثة أيام، قال تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني