الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مطالبة الابن بنصيبه من ميراث أمه ليس عقوقًا لوالده

السؤال

توفيت أمي منذ عشر سنوات، وكانت تمتلك عقارا لها، وكنت مقيما خارج البلاد. وعند نزولي لبلدي لتلقي عزائها، تقابلت مع أبي، وأختي الصغيرة. فأخبروني أنهم سوف يقومون بتأجير هذا العقار بمبلغ زهيد، وسوف يقومون بالتصدق بهذا المبلغ كصدقة جارية؛ لتستفيد بأجرها أمي، وأخبروا جميع إخواني، ووافقوا، ومنتظرين موافقتي، فوافقت على ذلك، وسافرت بعد ذلك إلى مكان إقامتي.
بعد ثمان سنوات من هذا الموقف، تعرضت لضائقة مالية، وطلبت من أبي أن أتحصل على نصيبي من الميراث. فأخبرني أبي أن أتواصل مع إخواني للموافقة على بيع العقار، فوافقوا على أن يتم تقسيم الميراث بشرع الله، انتظرت كثيرا حتى يتم البيع، ولم يتم بحجة أنه لا يوجد مشتر، واستمر هذا الحال لسنتين، فتحدثت مع أحد إخواني، أسأل عن سبب التأخير؟ فأخبرني أن أبي وأختي مؤجران العقار بمبلغ كبير منذ عشر سنوات، وليس كما قالو لي سابقا، وأنهم يتحصلون على المال بدون مشاركته معنا، فتحدثت مع أبي بالحسنى، وبالنقاش المتحضر؛ لأسأله لماذا لم يصارحني من البداية؟ فثار، واتهمني بأنني ابن عاق، وأنه لا يحق لي سؤاله، وهذا التصرف أثار حزني الشديد من أبي وأختي.
ولا أعلم هل أترك ميراثي لهم حتى أكون بارًّا به؟ لأنه يخبرني دائما عندما أسأله: أنت و مالك لأبيك.
مع العلم أنه من الأغنياء، وقام بشراء أملاك وسيارة لأختي المتزوجة وأبنائها، ولم يشملنا، أو أي من إخواني بذلك، حتى أبنائي، وأبناء إخواني، لا يحب تواصلهم معه، برغم أنني أطلب منهم السؤال عنه، وعن أختي كصلة رحم، فدائما ما يتهربون من أبنائي، ويختلقون الأعذار، ولا يعطونهم الفرصة لصلة الرحم، مع العلم بأن أبنائي والحمد لله، الكبري طبيبة، والاثنان الآخران مهندسان، ولا يحتاجون من أبي أو أختي أي شيء.
فهل النقود التي تحصلوا عليها من نصيبي الشرعي في ميزان حسناتي، حيث إنها لم تذهب إلي أمي كصدقة جارية كما أخبروني؟
وماذا أفعل حتى لا يحاسبني الله على صلة الرحم؟ أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإذا كان الواقع ما ذكرت؛ فقد أخطأ والدك في التحايل عليكم، وعدم إعطائكم نصيبكم الشرعي في الميراث.

ومطالبتكم بحقوقكم في الميراث ليس من العقوق؛ فالميراث حق كفله الله تعالى لكل وارث، قال الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {النساء:7}.

وليس لأحد الحق في منع الوارث من نصيبه، ولو كان أبًا، أو أمًّا، كما أن حديث: "أنت ومالك لأبيك" ليس الأمر فيه على الإطلاق؛ بأن يأخذ الأب من مال ابنه ما شاء، وفق ما شاء.

قال شيخ الإسلام: وهذا يدل على أن للأب أن يأخذ من ماله (الابن) ما لا يضر به، كما جاءت به السنة، وأن ماله للأب مباح. انتهى

وقال الجزري في النهاية في غريب الحديث: أنت ومالك لأبيك على معنى، أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة، وإذا لم يكن لك مال، وكان لك كسب لزمك أن تكتسب، وتنفق عليه، فأما أن يكون أراد به إباحة ماله حتى يجتاحه، ويأتي عليه سرفًا، وتبذيرًا، فلا أعلم أحدًا ذهب إليه. انتهى

وعلى كل؛ فأنت بالخيار، إن شئت أن تطالب بحقك الشرعي من إيجار العمارة، وبما أخذه أبوك، وأختك منك، وإن شئت أن تتنازل عنه كله، أو بعضه، ويرجى لك ثواب البر والصلة إن تنازلت لأبيك وأختك.

وانظر الفتوى: 465601 ، والفتوى: 327073.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني