الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الذنوب والمعاصي سبب الشر والبلاء

السؤال

توفيت جدتي منذ أشهر قليلة، وقد أدى ذلك إلى حزن واكتئاب شديدين في البيت؛ لأنها كانت هي كل شيء في البيت.
وأكثر من تأثر بهذه الوفاة هي خالتي التي أفنت شبابها وحياتها في خدمتها والسهر عليها، خاصة عند مرضها الشديد، فهي من اعتنت بها. وقد ضحت بسعادتها ولم تتزوج من أجلها، والآن هي في عمر الستين.
وحتى الآن لم تصبر على وفاتها رغم عبادتها، وتقربها من الله، وقراءتها للقرآن، إلا أنها لم تستوعب وفاتها بعد، رغم أدائها لمناسك العمرة. وذلك لخوفها الشديد بأن تبقى وحدها، وهي الآن منهارة. وحجتها في ذلك أن بركة البيت قد ذهبت.
وفعلا منذ وفاة جدتي قد قلَّ الرزق، وخاصة أن خالتي تدرس الدروس الخصوصية، فمنذ وفاتها لم يأت أحد للدروس الخصوصية، بالرغم من الكم الهائل الذي كان ينهال عليها، والأموال التي كانت تجنيها كل يوم، فمنذ وفاتها توقف كل شيء فجأة.
فهل صحيح أن البركة كانت بوجود جدتي بالبيت، وأن البركة قد ذهبت بوفاتها؟
فأنا أشعر أن حياتنا قد توقفت، بالرغم من أني أقنع خالتي أنه ما دام الله موجودا فالأمل موجود، والحياة تستمر، لكن من دون جدوى.
فهي تشعر أنه ليس لها مستقبل، وأن مستقبلا مجهولا ينتظرها.
فأرجو التوضيح في المسألة.
وأرجو منكم الدعاء لنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب على المؤمن أن يصبر على البلاء، ويوقن بأنّ قضاء الله كله خير، فيتوكل على الله، ويحسن الظنّ به، ولا يتبع خطوات الشيطان في الاسترسال مع الأحزان؛ فيكدر عليه عيشه، ويشغله عمّا ينفعه في آخرته ودنياه.
فبيِّني ذلك لخالتك، وحذريها من المسلك الذي سلكته بعد وفاة أمّها من الحزن والكآبة، واعتقاد ذهاب البركة بموت أمها؛ فكل ذلك قد يكون من مداخل الشيطان ومكائده.

فعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان، وتتوب إلى الله -تعالى- وتقبل عليه وتحسن الظن به، وتعلم أنّ البركة تأتي من الله بسبب التقوى والعمل الصالح.
كما أنّ معيار البركة ليس بسعة الرزق أو ضيقه؛ ولكنّه بالتوفيق لطاعة الله، والاستقامة على الشرع، قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [الفجر: 15 - 17].
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: يقول -تعالى- منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} [المؤمنون:55، 56].

وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له. قال الله: {كلا} أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين. إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرا بأن يصبر. انتهى.
وعموما فإنّ العبد إذا شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه، ويراجع حاله مع الله، ويجدد التوبة إلى الله؛ فإنّه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة؛ فإن الذنوب والمعاصي سبب الشر والبلاء.
ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: …يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: الْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. اهـ.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم. فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني