الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم اليمين على أمر مستقبل

السؤال

كنت في نقاش، ثم حلفت كذبا متعمدا على واقعة مستقبلية أنها سوف تحصل، إن حصلت واقعة أخرى مرتبطة بها. وأنا أعلم أن كلتا الواقعتين لن تقعا أصلا. بمعنى أنني قلت: "والله إن فلانا سوف يضربه، إذا علان فعل له كذا" وأنا أعلم أنه لن يضربه، ولن تحصل أي من الواقعتين مستقبلا إطلاقا. وندمت أشد الندم بعدها.
هل علي كفارة؟ أو فقط توبة؟
هل تندرج تحت اليمين الغموس، أو المنعقدة؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاليمن الغموس عند أكثر العلماء، لا تكون في المستقبل، كما سبق في الفتوى: 467593.

فيمينك هذه ليست يمينا غموسا، بل هي يمين منعقدة؛ لأنها على أمر مستقبل، ليس مستحيل الوقوع. وإذا لم يقع الأمر الذي حلفت عليه، فإنك تكفر كفارة يمين.

قال ابن قدامة في الكافي في فقه الإمام أحمد: واليمين على أربعة أضرب:

يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وهي: اليمين على مستقبل متصور، عاقدا عليه قلبه، فتوجب الكفارة؛ لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
الضرب الثاني: لغو اليمين، فلا كفارة فيه؛ لقول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89].

واللغو نوعان:

أحدهما: أن تجري اليمين على لسانه من غير قصد إليها؛ لما روت عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- «أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يعني اللغو في اليمين هو: كلام الرجل في بيته: لا والله، وبلى والله» رواه البخاري وأبو داود.

وقال القاضي: هو أن يريد أن يقول: والله، فيجري على لسانه: لا والله، أو عكس ذلك.
والثاني: أن يحلف على شيء، يظنه كما حلف، فيتبين بخلافه.

وعنه: في هذا النوع الكفارة؛ لأن ظاهر حديث عائشة حصر اللغو في النوع الأول، وظاهر المذهب الأول؛ لأن هذا يمين على ماض، فلم يوجب الكفارة، كالغموس.
الضرب الثالث: يمين الغموس، وهي التي يحلفها كاذبا، عالما بكذبه، فلا كفارة فيها في ظاهر المذهب؛ لأنها يمين غير منعقدة لا توجب برا، ولا يمكن فيها، فلم توجب كفارة، كاللغو.

وقد روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «خمس من الكبائر لا كفارة لهن»، ذكر منهن: «الحلف على يمين فاجرة، يقتطع بها مال امرئ مسلم».

وعن أحمد: أن الكفارة تجب فيها؛ لأنه حالف مخالف مع القصد، فلزمته الكفارة كالحالف على مستقبل.

الضرب الرابع: أن يحلف على مستحيل، كصوم أمس، والجمع بين الضدين، وشرب ماء إناء لا ماء فيه، فلا كفارة فيها؛ لأنها غير منعقدة، لعدم تصور البر فيها، كيمين الغموس.

وقال القاضي: قياس المذهب أن تجب فيها الكفارة؛ لأنها يمين على مستقبل.

وإن حلف على مستحيل عادة، كإحياء الميت، وقلب الأعيان، فقال القاضي وأبو الخطاب: فيها كفارة؛ لأنه متوهم التصور.

وقياس المذهب أنها كالتي قبلها؛ لأنها لا توجب برا، ولا يمكن فيها. اهـ.

وراجع للفائدة، الفتوى: 293518

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني