الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من استأجر أجيرا ولم يتفق معه على أجرة، واستعمل أدواته الخاصة، وعقوبة منعه أجرته

السؤال

أنا طبيبة أسنان، وقد عملت منذ فترة عند طبيب أسنان، وفي بعض الأيام لم تكن هنالك حالات، ولكنني كنت أحضر في مواعيد العمل، وفي بعض الأيام أنجزت بعض الحالات، وعددهم تقريبًا ثلاث حالات، استخدمت فيها بعضًا من أدواتي الخاصة التي أحضرتها للعيادة، على أنها ملك لي، وبعد انتهاء الشهر لم يعطني الطبيب أي أجر، ولم نتفق على أجر معين منذ البداية، ولكنه كان قد أوضح عدد ساعات العمل والأيام، واستخدم الطبيب بعض أدواتي حتى انتهت، رغم قوله إنه لن يستخدمها، لأنها خاصة بي، وللحرج منه لم أستطع أن أطلب أجري، ولا قيمة أدواتي التي استخدمها. فماذا أفعل؟ هل أصبر؟ وما جزاء فعله هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعقد الإجارة لا يصح إلا بمعلومية الأجرة، فإذا جُهلت فسدت الإجارة، وإذا فسدت الإجارة واستوفيت المنفعة -كما في حالكم- لزم أجرة المثل.

قال ابن قدامة في (المغني): إن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجر المثل، وبه قال مالك والشافعي. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: العوض في العقود الفاسدة هو نظير ما يجب في الصحيح عرفًا وعادة، كما يجب في البيع والإجارة الفاسدة ثمن المثل وأجرة المثل. اهـ.

وأجرة المثل يحكم بها أهل الخبرة في مجال هذا العمل في بلدكم، وراجعي في ذلك الفتوى: 110748.

وإذا ثبتت الأجرة في ذمة المستأجر، فأكلها بالباطل ولم يدفعها لصاحبها، فقد باء بإثم عظيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره. رواه البخاري، وبوَّب عليه: باب إثم من منع أجر الأجير.

وقد أمر صلى الله عليه وسلم بتعجل بذل الأجرة لصاحبها فقال: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. رواه ابن ماجه، وقوَّاه البوصيري والمنذري، وصححه الألباني والأرنؤوط.

وليس من حق الطبيب ولا غيره أن يستعمل أدوات غيره إلا بإذنه، فإن فعل فقد خان الأمانة، وأكل مال غيره بالباطل، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء: 29]، ويزيد الأمر حرجاً إذا صرح ووعد بعدم استعمالها، ثم خالف وعده، وكذب في قوله، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال: 27} وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] وقال سبحانه: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [النساء: 58].

وأما عدم مطالبة السائلة بأجرتها بسبب حرجها؛ فهذا يرجع إليها، فإن شاءت طالبت، وإن شاءت سكتت، وإن شاءت عفت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني