الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لو كنا نملك شيئا ما ثمنه مثلا: 10 جنيهات، وكنا في ضيق، واحتجنا المال، فأردنا بيعه، فاستغل التاجر الأمر، وجعل ثمنه جنيهين فقط، ونحن كنا في حاجة ماسة للمال، ولم نجد من يشتريه في الوقت القريب، فقمنا ببيعه له، وأنا كل ما أتذكر الأمر أقول حسبي الله عليه، وأدعو عليه، فهل لي الحق في ذلك؟ أم تلك تجارة عادلة، لأنني وافقت على ثمنه ذلك الذي عرضه في النهاية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا النوع من البيع هو المعروف ببيع المضطر، وفي صحته خلاف، والأكثر على صحته، وإن كان الأولى إعانة المضطر، وترك مبايعته، وينبغي لمن اشترى منه أن لا يستغل حاجته، ولا يغبنه غبنا فاحشا.

قال النووي في الروضة: ومنها في الحديث: نهى عن بيع المضطر ـ قال الخطابي: فيه تأويلان:

أحدهما: المراد به: المكره، فلا يصح بيعه إن أكره بغير حق، وإن كان بحق، صح.

والثاني: أن يكون عليه ديون مستغرقة، فتحتاج إلى بيع ما معه بالوكس، فيستحب أن لا يبتاع منه، بل يعان، إما بهبة، وإما بقرض، وإما باستمهال صاحب الدين، فإن اشترى منه صح. انتهى.

وقال ابن مفلح صاحب المبدع في شرح المقنع: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ، كُرِهَ الشِّرَاءُ، وَصَحَّ؛ نَصَّ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ فِيهِ، وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَهُمَا لَا يُعْرَفَانِ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: بِأَنْ يَجِيئَكَ مُحْتَاجٌ فَتَبِيعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِعِشْرِينَ. انتهى.

وقال ابن قاسم في حاشية الروض: وإن أكره على دفع مقدار من المال، كأسير يقال له: ما نفك إسارك إلا بكذا وكذا، فباع ملكه لذلك، كره الشراء منه، أو لبيعه بدون ثمن مثله في الغالب، وهو بيع المضطر، وصح الشراء منه، لأنه غير مكره على البيع، واختار الشيخ: الصحة من غير كراهة، لأن الناس لو امتنعوا من الشراء منه، كان أشد ضررا عليه. انتهى.

والحاصل أن بيعك هذا صحيح عند الأكثر، وما فعله هذا الرجل من الشراء منك بهذا الغبن مكروه كراهة شديدة، وقد نهى الله تعالى عن بخس الناس أشياءهم، فقال جل اسمه: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ {الأعراف: 85}.

قال شمس الحق في عون المعبود: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ ـ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ لَا يَنْعَقِدُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ رَكِبَهُ، أَوْ مُؤْنَةٍ تُرْهِقُهُ، فَيَبِيعَ مَا فِي يَدَيْهِ بِالْوَكْسِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا سَبِيلُهُ فِي حَقِّ الدَّيْنِ، وَالْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يُبَايِعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ يُعَارُ، وَيُقْرَضُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، أَوْ يَشْتَرِي إِلَى الْمَيْسَرَةِ ،أَوْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا، فَإِنْ عَقَدَ الْبَيْعَ مَعَ الضَّرُورَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ مَعَ كَرَاهَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. انتهى.

وما دام البيع قد مضى فهو صحيح، ولا ينبغي لك أن تدعو على هذا الرجل، لأن ما فعله وإن كان مكروها لكنه لا يأثم به عند الجمهور المصححين لهذا العقد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني