الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحلف كذبا للستر على النفس من المعصية

السؤال

الإنسان في سن المراهقة معرض للأخطاء، والآثام، فعندما كنت في: 15، أو: 16، من العمر لمست بنتا من أقاربي، وكانت صغيرة... حيث قمت بالتقبيل، ولمس بعض المناطق ... فهل يعتبر هذا زنا؟ ولم أكن أقدر الأمور، ولا أعرف المحرمات، وإذا سئلت عن هذه الحادثة، فهل يجوز لي الكذب، والحلف من أجل الستر عليها وعلي، لأنني إذا تكلمت بالحقيقة فسوف نتأذى كثيرا - أنا وهي- من هذه الحادثة، وكنت يومها في سن المراهقة، ولا أستطيع النوم أحيانا بسبب هذه المشكلة، وعمري الآن: 26، وكما أسلفت فإنها لا تزال بنتا..؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمجرد الاستمتاع باللمس، والقبلة، ونحوها؛ ليس من الزنا الحقيقي الذي تترتب عليه أحكام الزنا، لكنه معصية، وقد سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- زنا مجازا، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.

فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الاستمتاع المحرم، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، وعليك أن تستر على نفسك، وعلى البنت، فلا تخبر أحدا بهذه المعصية، ففي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:... مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ.

قال ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد:.. فيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك عليه أيضا في غيره.. انتهى.

وإذا فرض أنّك سئلت عن هذه المعصية؛ فلا تعترف بها، ويجوز لك الكذب للستر على نفسك، فقد جاء في غذاء الألباب، في شرح منظومة الآداب، عند ذكر الأمور التي يرخص فيها في الكذب: فَهَذَا مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ، كَكَذِبِهِ لِسَتْرِ مَالِ غَيْرِهِ عَنْ ظَالِمٍ، وَإِنْكَارِهِ الْمَعْصِيَةَ لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، مَا لَمْ يُجَاهِرْ الْغَيْرُ بِهَا، بَلْ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا كَانَ مُجَاهِرًا. اهـ.

وإذا احتجت إلى الحلف على كتاب الله، فاستعمل التورية دون الكذب الصريح، فاحلف مثلاً أنك لم تفعل هذا الأمر، وانو أنك لم تفعله في هذا اليوم، أو نحو ذلك من العبارات؛ وراجع الفتوين: 47655 43279.

واعلم أنّ التوبة الصحيحة مقبولة -بإذن الله- قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.

وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.

فإذا تبت إلى الله، فلا تشغل نفسك بما مضى، وأبشر بقبول التوبة، وعفو الله، واشغل نفسك بما يقربك إلى ربك، وبما ينفعك في دينك، ودنياك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني