الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يجوز بيع وقف الذرية؟ أوقفت المرحومة أمي قطعة أرض، وشرعت في بناء البدروم منها، وكان هدفها من هذه الأرض أن تجمع ‏أولادها عندها -بأن يبني كل واحد منهم له شقة- ولكن الأولاد والأب يشتكون من بُعد قطعة ‏الأرض، لأنهم متفرقون في المحافظات، ‏فبعضهم قد بنى لنفسه في مدينته، وبعضهم يقيمون في مدن أخرى، بسبب أعمالهم، وقد اتفق ‏الأولاد والأب على بيع قطعة الأرض، فهل يجوز لهم ذلك؟ ‏
وجزاكم الله خيرًا، وبارك في علمكم. ‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالوقف وإن كان يخرج عن ملك الواقف، إلا إنه لا يدخل في ملك الموقوف عليه، ولذلك لا يجوز له بيعه.

قال المَرْغِيناني في بداية المبتدي: إذا صح الوقف على اختلافهم خرج من ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه. اهـ.

وعلل ذلك في شرحه الهداية، فقال: لأنه لو دخل في ملك الموقوف عليه لا يتوقف عليه، بل ينفذ ‌بيعه ‌كسائر ‌أملاكه، ولأنه لو ملكه لما انتقل عنه بشرط المالك الأول ‌كسائر ‌أملاكه. اهـ.

وقال البابرتي في العناية شرح الهداية: لأنه لو دخل في ملكه جاز له إخراجه من ملكه ‌كسائر ‌أملاكه، ولما انتقل إلى من بعده ممن شرطه الواقف، لكن ليس كذلك بالاتفاق. اهـ.

ثم إن من الذرية التي وقف عليها من لم يأتِ بعد، ولهم حق في هذا الوقف، ولذلك جاء في فتاوى ابن الصلاح: مسألة: ادعى رجل دارا على رجل أنها وقف علي، وأنكر صاحب اليد، فأقام المدعي بينة، وقضى القاضي بالوقفية، وسلمها إلى المدعي، ثم جاء رجل وادعى على المحكوم له بالوقفية أن هذه الدار ملكي بعتها مني بكذا قبل الدعوى الوقفية، وسلمته إلي، وأقام عليه بينة؟ قال: لا يبطل الوقف، وعلى المدعي الوقف؟ أن يرد الثمن الذي أخذه ممن يدعي الشراء منه؛ لأن الحق في الوقف ليس على الخصوص، بل هو ملك زال إلى الله تعالى كالعتق، والحق فيه لأقوام غير متعين، وبعد ما قضى القاضي بالوقفية وزال الملك إلى الله تعالى لا حكم لبيع الموقوف عليه. اهـ.

ويتأكد ذلك، فإن منفعة الوقف لم تتعطل بالكلية بما ذكره السائل، وبالتالي لا يجوز بيعه، ولا التصرف فيه.

قال ابن قدامة في المغني: إن لم ‌تتعطل ‌منفعة ‌الوقف بالكلية، لكن قَلَّتْ، وكان غيرُه أنْفَعَ منه، وأكْثَرَ رَدٍّ على أهل الوقف، لم يجز بيعه؛ لأن الأصل تحريم البيع، وإنما أبيح للضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع، مع إمكان تحصيله، ومع الانتفاع، وإن قل ما يضيع المقصود، اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعا، فيكون وجود ذلك كالعدم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني