الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلق زوجته ونوى رجعتها وترفض العودة إليه

السؤال

في يوم من الأيام ذهبت إلى ابن خالتي، فوجدت عندهم بنتًا، فقلت من هذه؟ فقال: بنت خالة زوجتي، وهي يتيمة الأب، وأمها مريضة، وهي لا تسكن في نفس الولاية، فقلت: هل أستطيع أن أتقدم لخطبتها؟ فقال: لا بأس، فتقدمت لخطبتها، ووافقوا، ثم قلت لهم: إني من دون عمل، وسأتكلم مع أمي وأخي الصغير، ثم طلبت منهم الذهاب معي لكي يروا أين أعيش، ومن ثم يعطوني قرار الموافقة، فذهبوا معي، وقالوا: نحن موافقون، فقلت: لهم إذن لا نطيل الأمر، بل نتزوج، ولم يمض شهر على الخطوبة، وتزوجتها والحمد الله، وكانت -ما شاء الله-.
وبعد عام من الزواج، هربت من البيت وأنا نائم، مع أنها لا تعرف الولاية جيدًا، ولا يوجد لديها مال، ذهبتْ إلى أمها في ولايتها، فاتصلت بها، فقالت: والله آسفة، ولا أعرف كيف وصلتُ إلى هنا! فقلت: لا مشكلة، تعالي إلى بيتك، فقالت: لا، أريد أن أسكن بمفردي، فقلت لها: أنت تعرفين حالي، تعالي ومن ثم نفكر في الأمر، فجاءت، وفي اليوم الثاني من رجوعها، قالت: أمي بصوت مسموع: كيف لك أن تعيدها وقد هربت، ولا تعرف مع من ذهبت؟! فسمعتها زوجتي، فوجدتها تبكي، فقالت: اتصل بأزواج خالاتي، وطلقني أمامهم، وبيني وبينك لن تطلقني، ففعلت ما طلبت، ثم قالت: سأذهب إلى أمي حتى تجد لنا سكنًا مستقلاً عن أهلك، وحلفت على القرآن أنها ستعود، فذهبتْ، وبعد مدة أغلقتِ الاتصال بيني وبينها، وبعد مدة اتصل بي رقم غريب، فقالت: غيرت رقمي، فتكلمت معي 4 أيام، ومن ثم أغلقتِ الهاتف تمامًا، فاتصلت بأخوالها الاثنين، وقلت لهم: إني لم أطلقها، ولن أطلقها إلى يوم الدين، وهي عندما كنت على اتصال بها قلت لها: لن أطلقك (يعني رجعت الآن زوجتي)، وهي الآن رافضة أن تعود إلي، وقالت: مستحيل أن أعود إليك.
مرضت بسبب أني أحبها بصدق، وقد اتصل أهلي بأخوالها، وقالوا لهم: قولوا لها أن تعود لزوجها، فردت عليهم بأنها لن تعود حتى وإن أنا مت. فما حكم الشرع في هذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تضمن كلامك بعض المسائل الفقهية ومنها:

المسألة الأولى: مطالبة زوجتك بمسكن مستقل بعد موافقتها السكن مع أهلك، ولا حرج عليها في ذلك؛ لأن هذا حق يتجدد شيئًا فشيئًا، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: يجوز للمرأة بذل قسمها ونفقتها وغيرهما ليمسكها، ولها الرجوع، لأن حقها يتجدد شيئًا فشيئًا. انتهى.

المسألة الثانية: ما ذكرت من أنك نفذت ما طلبت زوجتك، تشير إلى طلبها منك أن تطلقها أمام أزواج خالاتها، وأنك طلقتها -كما يفهم من قولك: فعلت ما طلبت-، فإن كنت طلقتها بلفظ صريح، بأن قلت لهم مثلًا: زوجتي طالق، أو على سبيل الكناية بأن قلت مثلاً: لا أريد زوجتي، ناويًا به وقوع الطلاق، فيقع الطلاق بذلك، وراجع الفتوى: 435847.

المسألة الثالثة: قولك: لن أطلقك، ناويًا بذلك رجعتها، وهذا اللفظ ليس صريحًا في الرجعة، بل من قبيل الكناية، وهنالك خلاف بين الفقهاء فيما إن كانت الرجعة تحصل بلفظ الكناية أم لا، ويمكن مطالعة الفتوى: 143991.

المسألة الرابعة: رفض زوجتك الرجوع إلى البيت، فإن كان رفضها لكونك لم توفر لها المسكن المستقل، فمن حقها أن ترفض، وانظر الفتوى: 236731.

وننصح في الختام بمراجعة المحكمة الشرعية، أو الهيئات التي تقوم مقامها، لا سيما وأن هنالك نزاعًا، إضافة إلى الحاجة لمعرفة قصد الزوج في بعض المسائل، ووجود بعض الخلافات الفقهية، وحكم القاضي يرفع الخلاف في مسائل الاجتهاد.

قال القرافي في الفروق: اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني