الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الختان من تمام الحنيفية السمحة

السؤال

قال الله سبحانه وتعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم أنا أفهم من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد خلق الإنسان بكل أجزاء جسمه في أفضل صورة
فلماذا نقوم بعمل عملية الختان سواء للذكر أو الأنثى ؟
هل نقوم بتعديل ما خلق الله ؟
ألم يكن الله العلي العظيم بقادر على خلق هذا العضو مختونا إذا كان العضو المختون هو الأنسب والأفضل؟
رجاء شرح هذه المسالة والله الموفق
ولسيادتكم جزيل الشكر

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فخلق الله تعالى للإنسان في أحسن تقويم هو أنه جعله أكمل عقلا وفهما وأدبا وبيانا وعلما... وأما خلق جسد الإنسان في أحسن تقويم فلا ارتباط له بمقصد السورة، كما بينه فضيلة العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" حيث يقول: أفادت الآية الكريمة أن الله تعالى كون الإنسان تكوينا ذاتيا مناسبا لما خلق له نوعه من الإعداد لنظامه وحضارته وليس تقويم صورة الإنسان الظاهرة هو المعني عند الله تعالى ولا جدير بأن يقسم عليه، إذ لا أثر له في إصلاح النفس وإصلاح الغير، والإصلاح في الأرض، ولأنه لو كان هو المراد لذهبت المناسبة التي في القسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين. وإنما هو متمم لتقويم النفس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم وغيره، فإن العقل أشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع، فالمرضي عند الله تعالى هو تقويم إدراك الإنسان ونظره العقلي الصحيح، لأن ذلك هو الذي تصدر عنه أعمال الجسد، إذ الجسم آلة خادمة للعقل، فلذلك كان هو المقصود من قوله تعالى: [لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ] (التين:4).

وقد قصر بعض المفسرين حسن التقويم على أنه حسن الصورة الظاهرة للجسد، كما أشار السائل الكريم، ومع ذلك، فإن ذلك لا يتنافى مع الحكمة التي من أجلها شرع الختان ولا يعتبر ذلك تغبيرا أو تعديلا لخلق الله، فإن الختان كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى من محاسن الشرائع التي شرعها الله تعالى لعباده وجمل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة، ومكمل للفطرة التي فطرهم الله عليها، ولهذا كان من تمام الحنيفية السمحاء ملة إبراهيم، فإن الله عز وجل عاهد إبراهيم ووعده أن يجعله للناس إماما وأن يكون أبا لشعوب كثيرة وللأنبياء والملوك.. وأخبره أنه جاعل بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ليكون ذلك علامة في أجسادهم، فالختان علم الدخول في ملة إبراهيم الذي ابتلاه الله تعالى وامتحنه بكلمات فأتمهن، فاستحق بذلك الإمامة..

هذا مع ما فيه من الحكم العظيمة والفوائد الصحية العجيبة التي اكتشفها الأطباء في هذا العصر، فقد جاء في التعليق على كتاب تحفة المودود لابن القيم من المحقق بسام الجانبي يقول الدكتور محمد نبيل النشواني في كتابه "الطفل المثالي" تحت عنوان: ضرورة الختان: وتغطي حشفة القضيب عند الأطفال قطعة جلد زائد تدعى القلفة وهي غنية بالأعصاب، لذلك فإن بقاءها يزيد الشبق والتهيج الجنسي بعد البلوغ، مما قد يضعهم في مواقف حرجة أو مشاكل هم في غنى عنها.

ولقد ثبت علميا بأن المفرزات البيضاء التي تتجمع بين القلفة والحشفة تسبب تخريشا مستمرا لجلد القضيب وفي عنق الرحم عند المرأة بعد أن تصبح زوجا لمن لم يختتن، ينجم عن هذا التخريش أمراض في القضيب وفي عنق الرحم عند الزوجة كالسرطان، لذلك سن الله تعالى الختان وأمر به إبراهيم الخليل الذي امتثل لأمر ربه، وبما أن المسلمين يجرون الختان لأطفالهم فإن نسبة سرطان عنق الرحم بين نساء المسلمين منخفضة جدا إذا ما قورنت بنسبتها بين الغربيين وغيرهم، أما سرطان القضيب فإنه من النادر جدا بين المسلمين

بالإضافة إلى ما سبق فإن بقاء القلفة يسبب إنتانات والتهابات متكررة للقلفة والحشفة، مما قد يؤدي تضييق هذه المنطقة، وكذلك تضيق فوهة الإحليل فيشكو الطفل من آلام وصعوبات أثناء التبول، وعملية الختان تحمي الطفل من هذه الإصابات والمضاعفات التي تنجم عنها كاحتباس البول واحتقان المثانة والحالبين والكليتين والتهابهما أو غير ذلك من المضاعفات المعروفة.

وأما الختان عند البنات، فإنه مطلوب في المناطق الحارة، لأن البظر يكون كبيرا نسبيا، مما يزيد الشبق والغلمة، وأما في المناطق الباردة والمعتدلة، فإن البظر يكون عاديا، وبالتالي، فإن عملية الختان لهن تصبح غير ضرورية، ولهذا نصح النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تختن بقوله: إذا ختنت فلا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل.

وبهذا تعلم أن الختان ملائم للفطرة بل هو أهم خصالها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس من الفطرة: الختان والاستحداد (حلق العانة) ونتف الإبط، وتقليم الأظفار وقص الشارب. متفق عليه.

وأن كل ما جاء في الشريعة الإسلامية هو لمصلحة الإنسان، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني