الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

سؤالي عن وقعة الحرة، واستباحة المدينة، فهل صحيح أن استباحة المدينة كانت استباحة للأنفس، والأموال، والأعراض: أي أن حوالي ألف امرأة ولدت من غير زوج!؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فثبوت أصل واقعة الحرة أمر يقيني لا يمكن جحده، ولا التشكيك فيه، وقد حدثت فيها عظائم، قال ابن حزم في جوامع السيرة: أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة، حرم الله تعالى، فقتل بقايا المهاجرين، والأنصار يوم الحرة، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام، وخرومه، لأن أفاضل المسلمين، وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً، ظلماً في الحرب، وصبراً، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت، وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد -حاشا سعيد بن المسيب- فإنه لم يفارق المسجد؛ ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله، وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاء أعتق؛ وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله، فضرب عنقه صبراً، وهتك مسرف، أو مجرم الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدت الأيدي إليهم، وانتهبت دورهم. انتهى.

وأما بخصوص استباحة الفروج في تلك الواقعة: فقد أنكرها بعض المعاصرين، وعدوها من افتراءات أهل البدع، الذين يبغضون معاوية -رضي الله عنه- وابنه يزيد، لكن جمعا من الأئمة المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم قد ذكروا استباحة الفروج في واقعة الحرة، ولم يستنكروها، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته -يعني: يزيد بن معاوية- وأخرجوا نوابه، وأهله، فبعث إليهم جيشا؛ وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف، ويبيحها ثلاثا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثا، يقتلون، وينهبون، ‌ويفتضون ‌الفروج ‌المحرمة، ثم أرسل جيشا إلى مكة المشرفة، فحاصروا مكة، وتوفي يزيد، وهم محاصرون مكة... انتهى.

وعلى كل حال: فعدم ثبوت استباحة الأعراض لا يهون من شناعة، وفظاعة الجرائم التي اقترفها ذلك الجيش في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبوت استباحة الأعراض في واقعة الحرة، أو عدم ثبوتها بحث تاريخي، لا يترتب عليه أمر شرعي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني